فلسفة الاجازات بدون راتب (غير المدفوعة الأجر)
أ.د تركي الفواز
24-05-2024 10:30 AM
تشير الإجازة بدون راتب (أو الإجازة غير المدفوعة - LWOP) إلى الحالة التي يأخذ فيها الموظف إجازة من العمل دون تلقي راتب خلال فترة غيابه، يمكن أن تكون هذه الإجازة طوعية، أو مفروضة من قبل صاحب العمل لأسباب متنوعة؛ مثل القيود المالية، الاحتياجات الشخصية، أو إعادة هيكلة المنظمة. ونختلف الإجازة بدون راتب عن الإجازة المدفوعة مثل الإجازة السنوية أو المرضية، وعادةً ما تُستخدم من أجل أسباب شخصية (مثل السفر ، التعليم، رعاية الأسرة)، والمشكلات الصحية عندما تنفد الإجازة المرضية المدفوعة، والأسباب التنظيمية (مثل إجراءات خفض التكاليف خلال الأزمات الاقتصادية)، ومن الامثلة على تأثير الإجازات غير المدفوعة ما حدث في أزمة كوفيد خلال الجائحة، إذ لجأت العديد من الشركات إلى الإجازات غير المدفوعة كوسيلة لتجنب التسريح الجماعي للموظفين. وساعد هذا الإجراء في الحفاظ على العمالة إلى حد ما، وفي بعض الدول، خلال الأزمات المالية، لجأت الحكومات إلى منح موظفيها إجازات غير مدفوعة لتقليل الأعباء المالية على الميزانية العامة.
لنطرح التساؤل التالي ماهو تأثير الإجازة بدون راتب على الإنتاج في القطاعات الحكومية؟ .
هناك العديد من التأثيرات السلبية ومن أهمها فقدان المعرفة المؤسسية، إذ يمكن أن تؤدي الإجازة بدون راتب طويلة الأمد إلى فقدان مؤقت للخبرة، خاصة إذا كان الموظفون الغائبون يشغلون مناصب رئيسية ويطلق على ذلك بعلم الادارة حدوث فجوة مؤقتة في المعرفة، وقد يحتاج الموظفون الجدد أو المؤقتون إلى فترات تدريب وتأقلم، مما يزيد من تباطؤ العمليات.
أما التأثيرات الإيجابية فتشمل توفير التكاليف؛ ويتضمن ذلك تقليل نفقات الرواتب، إذ ان الإجازة بدون راتب تقلل من نفقات الرواتب، ويمكن أن تساعد الإجازات غير المدفوعة في تقليل التكاليف التشغيلية خلال فترات الركود الاقتصادي أو التحديات المالية، وهذا يجنب تسريح الموظفين بشكل دائم والحفاظ على قوتها العاملة على المدى الطويل، بالإضافة الى إعادة تخصيص الموارد من خلال إعادة توجيه المدخرات إلى مجالات حيوية أخرى أو استخدامها لتغطية العجز في الميزانية، مما قد يحسن الكفاءة التشغيلية في القطاع العام فغياب الموظفين غير الأساسيين، يحسن كفاءة العمليات ويسهم في تحديد العمليات غير الضرورية أو تحسين توزيع المهام بين الموظفين الباقين، ويسهم ذلك في تنمية المهارات وتنويعها من خلال تكليف موظفين آخرين بمسؤوليات جديدة خلال فترة الغياب يمكن أن يساعد في تنمية مهاراتهم، وتوسيع معرفتهم الوظيفية، هذا يمكن أن يؤدي إلى زيادة المرونة في القوى العاملة على المدى الطويل.
ومن التأثيرات الإيجابية الأخرى تحسين معنويات الموظفين فيمكن أن تكون الإجازة بدون راتب استراتيجية لتجنب تسريح الموظفين خلال خفض الميزانية أو الركود الاقتصادي، مما يحافظ على معنويات الموظفين وولائهم، وقد يشعر الموظفون بمزيد من الأمان عند معرفة أن مناصبهم محفوظة، حتى لو أخذوا إجازة بدون راتب مؤقتًا، وقد تتيح الإجازات غير المدفوعة الفرصة لإعادة توزيع العمل بين الموظفين المتبقين، مما قد يزيد من مرونة وتعدد مهارات القوى العاملة، والسماح بالإجازة بدون راتب لأسباب شخصية أو مهنية يمكن أن يحسن توازن العمل والحياة للموظفين، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية عند عودتهم إلى العمل.
ويمكن للدولة ان تتبنى عدة استراتيجيات لإدارة تأثير الإجازة بدون راتب على الإنتاج بفعالية أحدها استراتيجية حلول التوظيف المؤقت والتدريب المتقاطع؛ وتشمل هذه الاستراتيجية التأكد من وجود أفراد محددين جاهزين لتولي مهام الموظفين الغائبين، وتدريب الموظفين على أدوار مختلفة يمكن أن يساعد في الحفاظ على مستويات الإنتاجية من خلال السماح لأعضاء الفريق الآخرين بتولي المهام بسلاسة، والاستعانة بالعمال المتعاقدين للمشاريع أو الفترات المحددة يمكن أن يساعد في الحفاظ على مستويات الإنتاج دون الالتزام المالي طويل الأمد للتوظيف الدائم.
اما استراتيجية ترتيبات العمل المرن؛ فتقوم على تنفيذ سياسات العمل عن بعد، بما يوفر مرونة للموظفين ويضمن استمرار العمل حتى عند غياب الموظفين بإجازة بدون راتب، و توفير خيارات الجدولة المرنة يمكن أن يساعد في توزيع عبء العمل بشكل أكثر توازنًا ويمنع الإرهاق بين الموظفين المتبقين، فاستخدام الأدوات التكنولوجية لإدارة العمل عن بعد والتواصل يمكن أن يساعد في تقليل تأثير غياب الموظفين، استراتيجية تحديد مدة الاجازة بدون راتب للموظف وتقوم على تحديد مدة الإجازة بدون راتب للموظف فيتطلب ذلك وضع استراتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار مختلف العوامل القانونية، والإدارية، والتنظيمية، باستخدام هذه الاستراتيجية، يمكن للدولة إدارة إجازات الموظفين بدون راتب بشكل فعال يضمن التوازن بين احتياجات الموظف ومتطلبات العمل، ومن وجهة نظري فإن الاجازة بدون راتب يجب ان لا تقل عن عشر سنوات للموظف الذي يعمل خارج الأردن، ويعزى ذلك الى ان الدول المضيفة تريد ان يمكث الموظف فترة طويلة، كما أنها ترغب بتوظيف الكفاءات من ذوي الخبرة فقط وليس الموظفين او الخريجين الجدد، إذا تم تقليص الفترة لأقل من ذلك، فإن ذلك سيؤثر سلبًا على جذب الكفاءات الوطنية، ولن تجد مكاناً لها في الأسواق الخارجية مستقبلاً.
اما الأثر الاقتصادي للاجازة بدون راتب على الاقتصاد الاردني فتتمثل في أن تقليص الفترة للإجازة بدون راتب سينعكس بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني فان الاثر المباشر سيكون انخفاض في تحويلات العاملين الأردنيين في الخارج، التي تعادل في تأثيرها وحجمها تقريبًا حجم الصادرات، مع العلم بان حجم تحويلات العاملين الأردنيين في الخارج بلغت كما هو موضح بالجدول التالي:
سنة مقبوضات حوالات العاملين في الخارج - مليون دينار مقبوضات حوالات العاملين في الخارج (عن العام السابق (Y-o-Y))
2019 2366.8 0.9%
2020 2150.4 -9.143%
2021 2170.9 0.953%
2022 2203.1 1.483%
2023 2234.4 1.421%
بشكل عام، يُلاحظ أن مقبوضات حوالات العاملين في الخارج قد شهدت تراجعًا كبيرًا في عام 2020 بسبب جائحة COVID-19، ثم بدأت في التعافي بشكل تدريجي خلال الأعوام التالية، ومعدلات النمو السنوية بعد عام 2020 ظلت إيجابية وإن كانت منخفضة، مما يعكس تحسنًا بطيئًا ومستدامًا في الظروف الاقتصادية، و قد تحتاج السياسات الاقتصادية لتحفيز دعم العاملين في الخارج ومساعدتهم في الحفاظ على استقرار دخلهم في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
وحسب تصريح نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لتحديث القطاع العام أن ما لا يقل عن 13 ألف موظف من القطاع العام حصلوا على إجازة بدون راتب، فكم الذين يعملوا فعلياً بالخارج؟؟.
وحسب الملاحظات فان معظم الذين يعملون بالخارج هم من القطاع الطبي وقطاع التربية والتعليم، لو افترضنا ان عدد المدرسين هو 4600 مدرس يعملون بالخارج ومثلهم من الاطباء والممرضين فسؤالي هنا كم تبلغ رواتبهم، وكم تشكل من النفقات الجارية في الاردن؟!، وكم تبلغ تحويلاتهم من الخارج والتي تدخل كمداخرات بالعملة الصعبة التي تعزز الاستقرار الاقتصادي والنمو؟، مع العلم بان هذه الحوالات التي تدخل البلد هي التي تحرك الأسواق، فهل هذا سيعزز الانتماء للبلد من قبلهم ام سيقوموا باستثمار مداخراتهم واموالهم بالبلاد التي يعملوا بها؟، هل هذا القرار سيخدم توطين الكفاءات التي هاجرت؟، اجابتي طبعا لا.
ان الإجازات غير المدفوعة يمكن أن تكون سيفاً ذا حدين فيما يتعلق بتأثيرها على سير العمل؛ قد تفرض تحديات كبيرة على إدارة الموارد البشرية، لكنها أيضاً قد توفر فرصاً لتحسين الكفاءة وتنمية المهارات، في حين يمكن أن تقلل التكاليف الفورية للرواتب، فالنجاح في إدارة هذه الإجازات يعتمد على التخطيط الجيد، واستخدام الاستراتيجيات المناسبة لضمان استمرارية العمل بجودة عالية وتقليل التأثيرات السلبية على الفريق ككل.
في هذا الوقت، كان الواجب على الحكومة البحث عن كيفية تسهيل بقاء العمالة الأردنية خارج الاردن لما لها من دور في دعم الاقتصاد الوطني من خلال التحويلات الخارجية، الذي يسهم في توفير العملة الأجنبية. لماذا لا نرى نظام جديد للرواتب يعالج التشوهات في الرواتب المرتفعة والفلكية في الهيئات المستقلة والشركات المساهمة، يكون هدفه تصحيح التشوهات المالية في الوظائف والرواتب بهدف تحقيق العدالة بين جميع موظفي الدولة. هل قامت الوزارات والقائمين على إعداد النظام الجديد للاجازة بدون راتب بإجراء دراسات مسحيّة لمعرفة العائد الاقتصادي من منح الموظفين الإجازات بدون راتب للعشر سنوات السابقة فان كان الجواب بنعم، فلماذا لم يتم نشرها؟.