اثنان وعشرون عاما مضت على حديث مطول ( صوت وصورة ) اجريته مع الراحل نذير باشا رشيد فمنع رئيس الوزراء آنذاك علي ابو الراغب نشره أو بثه عبر التلفزيون الاردني فاعتذرت فورا لوزير الإعلام طالب الرفاعي عن برنامجي الحواري الأسبوعي.
وما هي إلا فترة وجيزة حتى اتصل بي الاعلامي احمد منصور طالبا أن ارتب له لقاء مع ابو جعفر الذي تمنع في البداية متحفظا على ( قناة الجزيرة ) فاقنعته أن يلتقي الرجل لنسمع منه ما يريد ، فكان اللقاء في فندق ميريديان فتبين أن أحمد منصور يسعى إلى أمرين : الأول أن يجري حوارا مع نذير رشيد. والثاني أن يتولى الباشا اقناع صديقه عبد الحميد السراج ( رئيس المخابرات السورية زمن الوحدة مع مصر ) بإجراء حوار مع احمد منصور لحساب الجزيرة.
كان جواب الباشا ابو جعفر انه سيفكر ويدرس الأمر بخصوص حوار مع الجزيرة ( وهو الحوار الذي تم بعد أشهر من اللقاء ) وأنه سيسأل السراج أن كان يقبل بالحديث مع الجزيرة.
وبعدها بفترة وجيزة وصل الجواب برفض السراج إجراء أي حديث مع أي وسيلة اعلام ، وحين سألت الباشا : لماذا يرفض السراج الحديث ؟ قال إن السراج يقول أنه لا يريد أن يمس أو يسيء إلى الرئيس جمال عبد الناصر.
قبل الحوار مع الباشا كانت لنا وفي سياق التحضير للحوار لقاءات في بيته ( مزرعة السلط ) تحدث الباشا بصراحة مطلقة وكشف لي اسرارا عن أحداث وشخصيات وازنة ( ما زالوا على قيد الحياة ) وما زالت سرا لا يمكن نشره ، وحين فاجأت الباشا بسؤال إن كان يرى أن من الأفضل لو تولى صديقه الأمير الحسن الملك بعد الراحل الحسين ؟ لم يتردد في الإجابة بنبرة صارمة الى جانب تولي ( الأمير عبد الله بن الحسين ) وأضاف كلمة واحدة.
قلت للباشا : لقد اختارك الحسين مديرا للمخابرات عام ١٩٧٠ لماذا وكيف وقد كان مضر بدران مديرا مهابا للدائرة ؟ فشرح وضع مضر بدران في الساعات الأخيرة قبل استقالته أما من أقترح رشيد لرئاسة الدائرة فكان محمد رسول الكيلاني.
سألت الباشا عمن هم رجال الدولة الذين وقفوا مع الحسين في ذلك العام العصيب ؟ فقال : كثيرون كانت حقائبهم جاهزة للسفر اما الذين وقفوا برجولة مع الملك والتفوا حوله في قصر الحمر في أيلول ١٩٧٠ فهم :وصفي التل ، حابس المجالي ، زيد بن شاكر ، زيد الرفاعي ، احمد الطراونه.
وحين اكمل كتاب مذكراته ( حساب السرايا وحساب القرايا )ارسل الي مسودة الكتاب قبل الطبع فوجدت أنه نسى محاولة اغتياله في العاصمة المغربية الرباط بعد انتقل إليها في العام ١٩٧٣ سفيرا هناك وإن من كشف له المؤامرة كان شاهر ابو شحوت اذ اتصل به من بغداد واعلمه بخطة منظمة أيلول الأسود لاغتياله فقام الأمن المغربي باحباط الخطة . فاشار إليها لاحقا ربما في الطبعة الثانية.
لقد سبقنا (الجزيرة ) في الحوار مع نذير رشيد بأشهر، وحتى الآن لم أفهم سبب قرار ابو الراغب بمنع بث الحوار الذي تواصل لما يقارب ساعتين ، الا أنني اعرف ان رأي نذير رشيد في الرئيس ابو الراغب وحكومته كان سلبيا للغاية.
ما زلت احتفظ بالنسخة الوحيدة لذلك الحوار ولعل أوان نشرها قد حان ،فبعد أن قرأت ماكتبه الاستاذ احمد سلامة عن الراحل نذير رشيد عبر عمون بعنوان ( نذير رشيد ..الجسور ) كان اكثره بين الحديث عن نفسه إلى الافتتان بالراحل محمود الكايد وآخرين ليوصل لنا في النهاية رسالة مفادها أن نذير رشيد رجل انفعالي لا يحب الاسلاميين وانه وقف ضد عبد اللطيف عربيات.
ولست أرى فيما كتبه الاستاذ أحمد سلامة مضمونا إيجابيا تجاه الرجل وإن سلامة ربما لا يعرف الكثير عن نذير رشيد العسكري الذي قاد الهجوم ضد كتائب بيار الجميل في لبنان حتى احتل بيته ومزرعته ونذير رشيد الذي اختطف عبد الحميد السراج من سجن المزة بدمشق ليلا إلى لبنان حتى اوصله إلى القاهرة لاجئا سياسيا في كنف الرئيس جمال عبد الناصر.
رؤساء حكومات كتبوا مذكراتهم ولكنهم أخفوا جوانب سلبية في مسيرتهم غير أن نذير رشيد ربما يكون الوحيد الذي كتب بشجاعة وصدق مثلما كان فارسا أردنيا طوال حياته وكان بالفعل جسورا لا يعرف الخوف والتردد أبدا ، والحديث يطول.