facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




المال الاسود


د. محمد بزبز الحياري
22-05-2024 02:22 PM

ظهر هذا المصطلح بالأونة الاخيرة نسبيا ،واصبح يتنامى يوما بعد يوم و ملتصقا بالانتخابات النيابية( وغيرها من اشكال الانتخابات)، ويطلق كوصف للمال المبذول على عدة عمليات قبل الانتخابات و اثنائها ويتم جرد الحساب بعدها . ابتدأت هذه العمليات بصورتها البدائية والمباشرة وهي الاتفاق مع بعض الناخبين او ممثليهم على مبلغ مالي مقابل ضمان التصويت للمرشح المقصود ،ولكن تطورت وتعقدت اشكال وعمليات الدفع حديثا لتشمل الترشح للقوائم الحزبية والترتيب بهذه القوائم ، ناهيك عن شراء ذمم بعض الصحفيين واصحاب المدونات بهدف تلميع المرشح اعلاميا وتسويقه وتعظيم انجازاته ،ان وجدت.

واذا قلنا ان هذا المال اسود فبالضرورة هناك مال ابيض مشروعا بالانفاق، كالرسوم و الدعاية واللافتات والتنقلات والاتصالات ...الخ ،وهو ما اصطلح على تسميته بالمال السياسي، وما بين الابيض والاسود هناك الوان يشتبه بالحكم عليها كالمشتبه بين الحلال والحرام، مثل القروض والمساعدات والتبرعات التي تبدو ظاهرها اعمال خيرية وباطنها مال اسود الهدف منه شاراء الذمم.

اقول ان المال السياسي هو فساد بأي حال من الاحوال، ولا يمكن لعاقل ومتبصر ان يفصل هذا الشكل من الفساد ويعامله كوحدة مستقلة، ويسن له التشريعات والقوانين لضبطه ومحاربته ،بمعزل عن الفساد الكلي الذي اصبح يتنامى ويستفحل ويضرب كافة قطاعات المجتمع في ظل اختلال منظومة القيم والمباديء والاخلاق وذهابها بمنحى مادي بحت، تسرب ونفذ الينا بشكل ممنهج من الخارج على شكل مناهج تعليمية ومساعدات و اتفاقيات حقوق مرأة وحقوق طفل هدفها تفكيك الاسرة كنواة مجتمع...الخ، رافقها استعداد وتقبل داخلي لهذا الغزو الثقافي الذي ضرب معاقلنا وحصوننا وثوابتنا في مقتل وما يزال.

عذرا على التشبيه فهو صادم، لكنه برأيي اقرب للمنطق والواقع، فأنا اشبه الفساد بالزنا من ناحية نجاسة الفعل، وصعوبة أو استحالة الأثبات، فكلاهما يتم بسرية تامة وبغرف سوداء مقفلة وغالبا من دون شهود ولا تنكشف العمليتين مهما وضعت من قوانين لضبطها والسيطرة عليها وذلك لغياب الأدلة واستحالتها من ناحية، ثم غياب الوازع الاخلاقي لدى اطراف المعادلة من ناحية أخرى.

عودة الى المال السياسي كجزئية فساد( وللامانة فهذا المال ينشط بمناطق وفئات دون اخرى) ونقول انه تظافرت عدة امور فرادى ومجتمعة لظهور هذا المال وتعاظم دوره عند انتخاب المجالس النيابية منها وعلى سبيل المثال لا الحصر:

-ازدياد نسبة الفقر والبطالة، وهذا شجع المرشح المقتدر على الدفع وشراء الذمم وشجع الفقير والعاطل عن العمل بالقبول.

-ظهور طبقة رؤوس الاموال الجشعة والرغبة الجامحة لهذه الطبقة بدعم رأسمالها بالنفوذ لحمايته اولا، ثم تسهيل استثماره ثانيا.

-ضعف المجالس النيابية السابقة( ماعدا برلمان ٨٩) ووصفها بالديكورية وعدم تأثيرها ايجابيا على حياة المواطن ،مما أدى الى تكوين رأي عام ( مبرر) لدى الناس بعدم جدوى هذه المجالس ،وبالتالي إستثمار الصوت الانتخابي ولو بمبلغ متواضع يسد به رمقه الظامئ.

-ظهور طبقة من المرشحين البراغماتيين المشبعين بالفكر الميكافيللي، بالوصول للبرلمان بأي طريقة كانت، مما افرز مالا اسود كوسيلة اصبحت شبه مضمونة للوصول.
-نكوص وتراجع اصحاب الكفاءات وذوي الاخلاق غير المقتدرين ماليا وإفساح المجال لغيرهم بالتقدم في ظل سطوة المال.

-تدخل جهات خارجية ( خارج العملية الانتخابية ) لها اهدافها واجنداتها ،وتبني مرشحين طوع اليد ( بغض النظر عن كفائتهم) والاغداق عليهم بالاموال لضمان وصولهم للبرلمان وتنفيذ اجنداتهم.

وبعد
يصرح جميع المرشحين دون استثناء انهم ضد المال الاسود وينعتوا الدافع والمتلقي بأقبح الصفات و الشتائم ، ويحلفوا اغلظ الايمان ويوقعوا على ما شئت من المواثيق، لكن القوم بالسر ليس القوم بالعلن، ونحن هنا لا نعمم بأي حال من الاحوال, فكثير من المرشحين شرفاء ولديهم من المثل والقيم العليا ما يؤهلهم لعدم ممارسة هذه العملية جملة وتفصيلا ،وللاسف القليل منهم من يصل لقبة البرلمان، بالرغم من كفائتهم وسمعتهم العطرة على مستوى الشارع، وتذهب فرصهم على طبق من المال الاسود لغيرهم.

في عز سباق التسلح وغزو الفضاء الذي كان محتدما بين القوتين الاعظم بخمسينيات القرن الماضي امريكا والاتحاد السوفييتي ، كان السوفييت هم السباقين بغزو الفضاء، واذهلوا الامريكان والعالم بهذه الخطوة غير المتوقعة ، عندها كان رد فعل الرئيس الامريكي ايزنهاور ان طلب مباشرة من معاونية اعادة النظر بمناهج الصفوف الست الاولى بالمدارس وتطويرها، عوضا عن توبيخ ولوم وكالة الفضاء والمخابرات المركزية ، ما اريد ان اصل اليه ونحن بصدد محاربة المال الاسود هو العودة الى الجذور قيمنا ومثلنا واخلاقنا لصيانتها وترميمها كحل شامل، مع الاحترام والتقدير الكامل للجهود التي بذلت كحلول مؤقته بسن قوانين بتجريم هذا المال ومرتكبيه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :