رحل نذير رشيد، القائد المقدود من الصلابة والصراحة والصَّلف الوطني، القائد ذو الوجه الواحد، صاحب الولاء الناصع والوطنية المقاتلة.
رحل صديقي الذي كان يقرأ ويكتب وينطق، حين يتفشى البَلَمُ ويعز النطق.
وكما يفعل اصدقائي، هاني الخصاونة، ومفلح الرحيمي، ونايف القاضي، ويوسف القسوس، وجمال الخريشا، وسميح البطيخي، ومحمد خير الكيلاني، وعبد الله المطر العجارمة، كان نذير باشا يصابحني باتصال هاتفي رشيق شبه يومي، يعرب عن رأيه في مقالتي اليومية التي أحَب لونها.
وكما كان صلباً في المعارضة، كان صلباً في الموالاة، وفي الدفاع الشرس عن الأردن والعرش الهاشمي.
اتهم نذير رشيد، بعضوية تنظيم الضباط الأحرار، فتشرد ثماني سنوات، لاجئاً سياسياً في سوريا ولبنان ومصر. وحُكم غيابياً خمس عشرة سنة، مع سحب الجنسية.
عاد ابو جعفر الى وطنه مع العفو الملكي العام. وثق به الملك الحسين، ملك الفراسة والفروسية، وسلمه أهم مركز أمني في البلاد، منصب مدير المخابرات، ثم ارسله الحسين، سفيراً الى حيث يحب، إلى المملكة المغربية، فزرته عندما عينني ابو عبد الله سفيراً في المملكة المغربية، لمراجعة تجربته الثرية هناك.
واصبح نذير رشيد عضواً في مجلس الأعيان، ووزيراً من ابرز الوزراء الذين تسلموا وزارة الداخلية.
لقد انتقل عدد كبير من رجالات الأردن المعارضين، انتقالاً وطنياً يسيراً، من السجن والقبو إلى القبة والوزارة والمواقع العليا في الدولة.
كان نذير باشا يزورني في «الدستور»، عندما كنت رئيسا لمجلس إدارتها، محملاً بالكتب النادرة والوثائق السياسية المتصلة بتاريخ شعبنا، ومخطوطات الكتب الأصلية، التي طبعت وتم حذف الكثير من صفحاتها !!
أبو جعفر «نقا عين» الملك الحسين، كان قاموساً يقظاً متدفقاً ذا ذهن متوقد وذاكرة وطنية حادة.
كان له موقف حاسم صارم قاصم لا يتبدل.
زرته في منزله مرات برفقة اعضاء من جمعية الحوار الديمقراطي الوطني، ودائماً نسمع منه جديدا عن تاريخنا السياسي.
أبو جعفر ذو الـ 95 عاماً، ذاكرة مدهشة فذة، تشكل منجم معلومات، لم يغب عندما غادر الوظيفة وظل ملء السمع والبصر.
يرحم الله نذير رشيد ويحسن إليه.
الدستور