فشل الإعلام العربي في زمن الحرب
محمد حسن التل
21-05-2024 05:56 PM
المراقب لأداء الإعلام العربي في حرب غزة يكتشف أن هذا الإعلام يعاني من فشل واضح في التعامل مع الحدث الكبير الذي هز العالم .. حيث توزع إلى ثلاثة اتجاهات ، الأول أظهر أنه يقف إلى جانب الفلسطينيين ومقاومتهم لكنه لم يتعد في رسالته التركيز على صور الجثث والدمار وحوارات مع أشخاص مكررين تحت مسمى "خبير"، الأمر الذي جعل العين تعتاد مشاهد القتل والجثث ولم يعد التفاعل كذلك التفاعل في بداية الحرب ، والأخطر من ذلك اعتاد الناس خبر الحرب لأن الرسالة نفسها على مدار الساعة ولا جديد بها اللهم سوى أعداد الشهداء والجرحى !
الاتجاه الآخر في الإعلام العربي واضح تماما أنه اتخذ منذ اللحظة الأولى للحرب موقفا مختلفا تجاه ما يجري في غزة ليس لصالح الفلسطينيين..الأمر الذي جعله يتعامل مع الخبر بأقل قدر من الاهتمام وبأكبر قدر ربما من الإنحياز وذلك بأسلوب ناعم .. أما الاتجاه الثالث يصور الأمر وكأن إسرائيل خلال أيام ستنهار أمام ضربات المقاومة وكأن الشعب الفلسطيني يستعد للعودة إلى بلاده في أي لحظة .. وهذ أمر خطير يذكرنا بالوهم الإعلامي إبان حرب العراق قبل ثلاثين عاما..
لم تقدم أي وسيلة إعلامية عربية أي سبق خاص يميزها عن غيرها في التغطية.. واعتمد مجموع الإعلام العربي على الصحافة الإسرائيلية والأوروبية والأمريكية وهذا أمر واضح للمراقب في وقت أصبح الوصول لهذه الصحافة متاح للجمهور العربي بسهولة ..
مؤسسات الإعلام العربي تعتبر من الناحية المادية واللوجستية من أكبر المؤسسات في العالم ولكن هذا الحال لم يسعفها لتكون على قدر الحدث في غزة .. وظلت خاضعة للحسابات والتناقضات السياسية في محيطها .
باعتقادي أن المواطن العربي بات يدرك بعد ما يقارب الثمانية شهور من الحرب أن إعلامه رغم امتلاكه كل الإمكانيات المادية فشل
في أدائه ولم يستطع التحرر من الحسابات السياسية ليكون حرا بالقدر المقبول مع الحدث، فقد تبع في مساره وأدائه الخطوط السياسية في البيئة التى يعمل بها.. وحتى يكون الإنصاف حاضرا فإنه لا يوجد في العالم إعلاما حرا بالمطلق ولكن الأمر نسبيا .. والإعلام العربي لا تنطبق عليه معادلة النسبية في الأداء بقدر ما تنطبق عليه التبعية..
المتضرر من هذ الواقع هو المواطن العربي الذي أصبح مقتنعا أنه لا يملك القدرة على متابعة الأحداث إلا من خلال الإعلام الغربي لأنه يرى فيه وبغض النظر عما يدس من خلاله أنه يوفر قدرا من الواقع الحقيقي للأحداث ، لقد بتنا كعرب بحاجة إلى إعلام يتمتع بالحرية ولو بالحد الأدنى لأن الاعلام سلاح فعال في أي معركة سياسة أو عسكرية وهو من العوامل التي التي تحسم نتائج المعركة مهما كان نوعها..
مشكلتنا في الإعلام العربي أنه إعلام دول أكثر منا هو إعلام مهنة ورسالة ، وهذا يجعله أسيرا كما أشرت إلى حسابات معقدة تجعله عاجزا عن أداء دوره في خدمة مواطنه العربي ، وهذه مشكلة يجب معالجتها بموضوعية ويجب تسخير كل الطاقات من قبل أصحاب المهنة كي يكونوا عامل دفع حقيقي لتأسيس إعلام عربي موثوق عند المتابع العربي ، كذلك يستطيع أن يؤثر في السياسة وليس العكس كما هو الإعلام في الغرب وكثير من الشرق .