عن دستورية حق الحزب في فصل نائب القائمة الحزبية
د. مهند صالح الطراونة
21-05-2024 02:12 PM
في إشارة قانونية مختصرة للموضوع هلا قلبنا النصوص الدستورية والقانونية ذات العلاقة ، وبالذات تلك الأحكام التنظيمية التي رسخها نص البند رقم (4) من الفقرة (أ) من المادة رقم(58) من قانون الإنتخاب لمجلس النواب رقم(4) لسنة 2022 والذي ينص على أن : " إذا إستقال النائب الذي فاز عن القائمة الحزبية من الحزب الذي ينتمي إليه أو فُصل منه بقرار إكتسب الدرجة القطعية يتم ملء مقعده من المترشح الذي يليه من القائمة ذاتها التي فاز عنها ،وإذا تعذر ذلك يتم ملء المقعد من القائمة التي تليها مباشرة بالنسبة وضمن الترتيب المنصوص عليه في هذا القانون " .
الخلاف حول النص
وواضح مما تقدم أن النص أبان الآلية التي يتم فيها شغور مقعد مجلس النواب عند إستقالة العضو الذي فاز عن القائمة الحزبية من الحزب الذي ينتمي إليه أو فُصل منه بقرار إكتسب الدرجة القطعية ، ولعل الإشكاليه التي تبرز هنا و ثار بشأنها خلاف حول دستورية فصل النائب الذي فاز عن القائمة الحزبية من قبل حزبه ،الأمر الذي إعتبره البعض أنه مخالفة صريحة لأساسيات النظام البرلماني التي إستقر عليه الدستور الأردني لسنة 1952، ومخالفة لمبدا الإرادة الشعبية ومبدأ أن الأمة مصدر السلطات الوارد في نص المادة رقم (24/1)من الدستور والذي ينص على أن:"الأمة مصدر السلطات" وبإعتبار أن سكوت المشرع الدستوري عن أي حكم لا يعني بالضرورة إباحته، وذلك وفقاً لمقتضيات ضوابط الصياغة الدستورية وحسن تفسير النصوص ، في حين إعتبر البعض أن الرأي الأول محل نظر بإعتبار أن الحق الممنوح للحزب في فصل النائب عن القائمة الحزبية جاء ظهيراً لنص المادة رقم (70) من الدستور الذي تضمن الإشارة إلى شروط عضوية النائب ،وظهيراً لنص المادة (90) من الدستور الذي تضمن إحالة مسالة فصل النائب لقانون الإنتخاب، وأن إختيار الأمة للنواب في القائمة الحزبية جاء للحزب وليس للشخص الأمر الذي لا يمكن إعتباره مخالفة لمبدأ الإرادة الشعبية .
نقطة للتنويه
قبل الدخول في المسألة محل الخلاف - ولأن الموضوع نشرفي الصحف - أشير أنه ورد خطأ مادي لدى جميع الآراء - مع التقدير - حيث أن النص محل الخلاف هو البند رقم (4) من الفقرة (أ) من المادة رقم(58) من قانون الإنتخاب لمجلس النواب رقم(4) لسنة 2022 ،وليس الفقرة (4) من المادة رقم(48) من قانون الإنتخاب سالف الذكر ، كما تم ذكره وعليه يقتضة التنويه .
الأصل السلامة الدستورية للنصوص
وبالرجوع للفكرة التي يدور في فلكها نص البند رقم (4) من الفقرة (أ) من المادة (58) من قانون الإنتخاب- سالف الذكر- أشير أن ماذهب إليه الرأي الأول بعدم دستورية فكرة منح الحزب الحق في فصل النائب الفائز عن القائمة الحزبية ، هو أمر محل نظر - و أشاطر فيه رأي كل من عارض فكرة عدم الدستورية - وأضيف أنه ناهيك أن الأصل في نصوص القانون هو السلامة الدستورية، و أنها تفسر بإفتراض تكاملها باعتبار أن كلا منها لا ينعزل عن غيره، وإنما تجمعها تلك الوحدة العضوية التي تستخلص منها مراميها، ويتعين بالتالي التوفيق بينها، بما يزيل شبهة تعارضها ويكفل اتصال معانيها وتضاممها، وترابط توجهاتها وتساندها، الأمر الذي أرى معه أنه لا يمكن القطع بأن الفكرة سالفة الذكر تتعارض مع الدستور.
تكامل النصوص وتضاممها تؤكد الدستورية
وإستكمالاً للبحث ومع التسليم إلى ما ذهب إليه القضاء الدستوري بأن نصوص الدستور لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم العليا التي تؤمن بها الجماعة في مراحل تطورها المختلفة. ويتعين دوما أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لا تتماحى أو تتآكل، بل تتجانس معانيها وتتضافر توجهاتها، ولا محل بالتالي لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها، ذلك أن إنفاذ الدستور وفرض أحكامه على المخاطبين به ، يفترض العمل به في مجموعه ، باعتبار أن لكل نص منه مضمونا ذاتيا لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها أو يسقطها، بل يقوم إلى جوارها متساندا معها، مقيدا بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التي تجمعها، إلا أن الدفع بذلك كتبرير لعدم دستورية النص مردود مع التقدير ، حيث أن ذلك يفسر العكس تماماً ، وما يؤكد ذلك التعديلات الدستورية التي أقتضتها منظومة التحديث السياسي والتي تكشف أن روح الدستور وتعديلاته الأخيرة من جماع نصوصه تتجه نحو تمكين الأحزاب في الحكم بغية الوصول لحكومات برلمانية تحكم فيها أحزاب برامجيه وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال تعزيز المركز القانوني للحزب ومنحه مزيدا من الصلاحيات ومن ذلك منحه المكنة القانونية في فصل النائب من القائمة الحزبية .
الإجراءات الدستورية لشغور عضو مجلس النواب
ومن نافلة القول فيما يخص بموقف الدستور من الآليه المتبعة عند شغر محل أحد أعضاء مجلس النواب تنص المادة رقم (88) من الدستور على أن : " إذا شغر محل أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب بالوفاة أو الاستقالة أو غير ذلك من الأسباب باستثناء من صدر بحقه قرار قضائي بإبطال صحة نيابته ، يملأ محله بطريق التعيين من الملك إذا كان عيناً، و إذا كان نائباً يقوم المجلس بإشعار الهيئة المستقلة خلال ثلاثين يوماً من شغور محل العضو ويملأ محله وفق أحكام قانون الإنتخاب خلال ستين يوماً من تاريخ الإشعار بشغور المحل وتدوم عضوية العضو الجديد إلى نهاية مدة المجلس " ، وهومايفسر معه أن الدستور حدد حالات شغر المقعد للعضو في مجلس الأعيان والنواب في الوفاة أو الاستقالة أو غير ذلك من الأسباب ، وحدد آليه شغور أعضاء مجلس النواب بقيام المجلس بإشعار الهيئة المستقلة خلال ثلاثين يوماً من شغور محل العضو، وفوض الأحكام الناظمة لهذا الشغور لقانون الإنتخاب وذلك خلال ستين يوماً من تاريخ الإشعار، الأمر الذي يؤكد أن النص محل الخلاف جاء في حدود الدستور وفي ضوء ضوابطه ، ومن ذلك أيضا ماورد في نص المادة رقم (90) من الدستورحيث نص على أن : " لا يجوز فصل احد من عضوية اي من مجلسي الاعيان والنواب الا بقرار صادر من المجلس الذي هو منتسب اليه، ويشترط في غير حالتي عدم الجمع والسقوط المبينتين في هذا الدستور وبقانون الانتخاب ان يصدر قرار الفصل بأكثرية ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس واذا كان الفصل يتعلق بعضو من مجلس الاعيان فيرفع قرار المجلس الى الملك لاقراره." وهو مايؤكد أيضا أن حالتي الجمع والسقوط لعضو مجلس النواب لها إجراءات خاصة ، وفقاً لأحكام الدستور وما أحاله الدستور لقانون الإنتخاب في هذا الشأن، وبالرجوع لهذه الأحكام جاء نص المادة رقم(75) من الدستور ليحدد شروط عضوية كل من اعضاء مجلسي الأعيان والنواب ، ومن دونها يفقد العضو النائب أو العين عضويته ، ثم أضاف نص المادة رقم (70) من الدستور شرطاً جديداً وذلك بموجب تعديل سنة 2022 للدستور شرط السن بأن يكون عضو مجلس النواب قد أتم خمساً وعشرين سنة شمسية، كما أبان نص المادة رقم (10) من قانون الإنتخاب على النحو الوارد فيه .
وترتيبا على ماتقدم أرى أن الدستور قد أحال مسألة شغور أحد أعضاء الحزب إلى قانون الإنتخاب، وأن عدم وجود نص صريح في الدستور يحول دون إمتلاك الحزب المكنة الدستورية في فصل النائب الممثل عنه في القائمة الحزبية لا يمكن أن يفسر معه حظر أو منع ذلك ، إلا أن جماع قراءة نصوص الدستورية وتظافرها على النحو الوارد تفصيلة تؤكد دستورية هذا الحق ، مع التقدير لجميع الآراء والإختلاف يؤكد أن هنالك حراكاً قانونياً يرنو إلى حرص الجميع على سلامة النصوص دستوريا ونجاح عملية التحديث السياسي .
Tarawneh. Mohannad @yahoo .com