عثرت بين أكوام من الأوراق في أرشيفي الخاص على “دفتر كوبونات”، كانت تصرفه وزارة التموين عندما كانت الحكومات ، تطبق سياسات دعم السلع الأساسية خلال تسعينات القرن الماضي ، وكانت الكوبونات تصرف وفق آلية خاصة لإيصال الدعم " الى مستحقيه" وهم الأقل حظا، حسب الوصف الذي كانت تستخدمه الحكومة .
وفي تلك الفترة عملت في الوزارة بشكل عابر، لمدة عامين بوظيفة مدير اعلام وعلاقات عامة، تعاملت خلالهما مع ثلاثة وزراء، وكنت شاهدا على عمليات صرف دفاتر الكوبونات لمن قررت الحكومة أنهم “يستحقون الدعم “، وما يترتب على ذلك من شرائهم للمواد المشمولة بالدعم وهي : " السكر ،الأرز والحليب المجفف “.
كانت عملية مربكة لا تخلو من تخبط اداري وتجاوزات، وأذكر أن القاعدة التي اعتمدت هي تقديم الدعم للأسر التي يقل دخلها الشهري عن " 500 " دينار ، وكانت الحصة التموينية المخصصة للفرد بناء على هذا الاساس، ستة كيلوغرامات من السكر ومثلها من الارز وكيلو حليب كل ثلاثة أشهر ، أي 18 كيلوغراما من مادتي السكر والارز، وثلاثة كيلوغرامات من الحليب في السنة، وذلك يعني ببساطة أن “خط الفقر” حسب تقييم الحكومة في ذلك الوقت كان يقدر ب " 500″ دينار شهريا للأسرة، لكن من المهم الاشارة الى عمليات التلاعب والواسطات التي كانت تحدث في تقديم الدعم !.
ومن النماذج على عمليات التلاعب، تقديم الدعم لوزراء عاملين وسابقين أو مسؤولين كبار في الدولة ورؤساء مجالس ادارة شركات عامة! وكان هناك آلاف الاسماء المكررة من هؤلاء تتلقى الدعم! كما كان هناك مسؤوليين كبار يصرف لهم كميات من العلف المدعوم ، المخصص لأصحاب المواشي والابقار ومزارع الدواجن ! .
لكننا بعد مرور أكثر من 30 عاما على تلك التجربة، وبعد أن الغاء دور وزارة التموين في تسعير ومراقبة الاسعار ، وإطلاق العنان لسياسات الخصخصة، وتغول برامج الاصلاح الاقتصادي التي تتمحور حول رفع الدعم وزيادة أسعار السلع والخدمات، وهو نهج يقود بالضرورة الى توسيع دائرة الفقر، تبدو الأرقام الرسمية بشأن عدد الفقراء ونسبتهم ضبابية، وتتضارب مع تقديرات الخبراء الاقتصاديين ومنظمات المجتمع المدني وبعض القوى السياسية، التي ترى أن المجتمع الأردني بات منقسماً بين طبقتَي “الأغنياء جداً”، و”الفقراء جداً”! .
وكان آخر تصريح حكومي عن نسبة الفقر، قد صدر على لسان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ناصر الشريدة، حيث قدر نسبة الفقر في الأردن عندما كان وزيرا للتخطيط عام 2021 ب 24 بالمئة، لكن تقرير للبنك الدولي "أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023" ، قدر عدد الفقراء بالأردن بحوالي 3.980 مليون شخص من أصل نحو 11 مليون نسمة .
ناصر سلطان حمزة الشريدة سياسي أردني يشغل منصبي نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير دولة لتحديث القطاع العام في حكومة بشر الخصاونة منذ 27 تشرين الأول 2022 كما شغل منصب وزير التخطيط والتعاون الدولي في نفس الحكومة من 12 تشرين الأول 2020 حتى 27 تشرين الأول 2022.
ووفق المعطيات التي كشفها التقرير فإن ثلث الأردنيين فقراء، إذ إن خط الفقر للفرد الواحد يقدر بـ168 دينارا ، ولا تخلو التصريحات الرسمية من طرافة بشأن تحديد نسبة الفقر وعدد الفقراء، وفي 17/11/2019 الماضي أطلق مدير عام دائرة الاحصاءات العامة السابق، تصريحا لا يخلو من طرافة، حيث أعلن أن نسبة الفقر في الأردن “من الأقل في العالم العربي ،وأن عدد فقراء الأردن لا يتجاوز 8 آلاف شخص ! .
وهذه الارقام تناقض الحقائق التي يلمسها الناس على الارض، من حيث تدني مستوى المعيشة ، وتآكل الاجور الذي يقدر معدلها ب 500 دينار للأسرة شهريا، وارتفاع الاسعار ونسبة البطالة، وتزايد عدد المنتفعين من صندوق المعونة الوطنية، وحسب تقديرات الصندوق فإن حد الفقر للفرد يقارب” 100″ دينار شهرياً و”650″ ديناراً للأسرة، بالمقارنة مع 68 ديناراً شهرياً للفرد عام 2010.
وكانت تقديرات غير رسميةٍ رجحت نسبة الفقر في الاردن 20% حتى 2016 ، ولا يمكن فصل نسبة الفقر عن مديونية الأفراد، التي يقدرها البنك المركزي بنحو 11 مليار دينار .
Theban100@gmail.com