هنا اقصد الدخل الذي يتأتى للافراد والمواطنين ولا تعلم عنه الدولة اي شيء, ويسمى باقتصاد الظل, وهو غير معلوم ولا يدخل في الحسابات الرسمية.
الاردن كغيرها من الدول لا تمتلك موارد طبيعية, يبحث مواطنوها عن فرص اقتصادية لتحسين مستوى معيشتهم, لزيادة دخلهم الرسمي الذي قد يكون اخفض دخل في المنطقة, وهي غير قادرة على مواجهة الغلاء المستمر وارتفاع التضخم لمستويات غير مسبوقة, لذا استعانت الاردن على مدى العقود الماضية بخطط وبرامج لتنمية الموارد البشرية الاردنية, والارتقاء بالمواطن ليكون شخصا مؤهلا علميا وفنيا قادرا على تحمل المسؤوليات, لذا تجد الاردنيين يعملون في مختلف دول العالم ويلعبون دورا تنمويا رئيسيا في تلك الدول.
لغاية الآن الارقام ما زالت متضاربة تجاه عدد المغتربين الاردنيين في الخارج, فمنهم من يقول ان عددهم يتجاوز ال¯ 700 ألف وآخر يشير ان الرقم يقترب من نصف مليون في حين ان البعض يقول ان عددهم لا يتجاوز ال¯ 400 ألف مغترب, وعلى أي حال هم يشكلون رافدا مهما للاقتصاد الوطني من خلال تحويلاتهم للمملكة والتي من المقدر ان تبلغ هذا العام ما مقداره (2.5) مليار دولار, لكننا ما زلنا نعتقد ان هذا الرقم قليل نسبة الى اعداد الاردنيين في الخارج وطبيعة الاعمال التي يمتهنونها هناك, لذا فالجميع يعتقد ان هناك اموالا تدخل الى المملكة وتذهب لآلاف الأسر الاردنية من دون اللجوء الى تحويلها بواسطة البنوك ومكاتب الصرافة, ونأخذ مثالا على ذلك الآن, فمع عودة المغتربين الى المملكة لقضاء عطلة الصيف نجد ان معظمهم يلجأ الى جلب الاموال معه مباشرة من دون الاستعانة بأية مؤسسات مالية, فهل يستطيع احد ان يقدر حجم تلك الاموال التي يتم صرفها خلال شهري تموز وآب.
اذا ما دققنا في طبيعة سلوك عمل الاردنيين, نجد انه ونتيجة لضيق الحال بالدرجة الاولى وسعيا وراء تحسين معيشتهم انخرطت الشريحة الاكبر منهم في اعمال اضافية خارج نطاق عملهم الرسمي, فبعضهم لجأ الى التدريس الخصوصي وآخرون الى النقل كسائقين وبعضهم للاعمال الحرة الخاصة مثل البيع والشراء لأي سلعة كانت - فالعمل الاضافي بات جزءا مهما للعائلات الاردنية, وانا أجزم انه لولاه لرأيت من الفقر ما زاد الوطأة سوءا على المواطنين.
كثير من الاعمال والانشطة الاقتصادية لا تدخل في حسابات الدخل الرسمية, فأعمال التهريب التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات سنويا والتي ما زالت الاجهزة المعنية غير قادرة على حصرها يعتاش من ورائها مئات الاسر التي يتوفر لهم دخل غير رسمي خاصة للقاطنين في المناطق الحدودية, فجميعها خارج الحسبة المالية الرسمية.
الانطباعات التي تتولد للشخص الذي يزور الاردن للمرة الاولى بان المجتمع الاردني ليس كما يتم وصفه بالخارج على انه مجتمع تسيطر عليه جيوب الفقر والبطالة, وتسوده الحياة البدائية الصعبة, بل على العكس تماما يدرك مدى الحداثة والعصرنة التي شهدتها أوجه الحياة في المملكة والتي تطورت الى وضع مشابه في الدول الغنية صاحبة الموارد الطبيعية, فالانفاق الاستهلاكي يتزايد يوما بعد يوم, وسلة الاستهلاك لم تعد تفرق فيها بين ما هو اساسي وكمالي, وجميع ما هو موجود في الخارج اصبح الآن متاحا للاردنيين بدرجات متفاوتة, بل ان السياسات الحكومية التي ادت الى زيادة الاسعار لم تردع المواطنين في انفاقهم حيث نشاهد السيارات الكبيرة ومولات التسويق الضخمة وارتفاع حمى الموبايلات بين الصغير والكبير, لكن هذا لا ينكر وجود فقر في العديد من مناطق المملكة, لكن علينا ايضا ان نقر بأن طبيعة الفقر الموجود في الاردن يختلف كثيرا عن الفقر الموجود في الجوار.0
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)