تساؤلات في إلغاء مبدأ الإجازة دون راتب
طارق أبوسليم
19-05-2024 04:15 PM
قد يتساءل البعض عن تسطيري لهذا المقال، والذي لا يندرج من باب المناظرة القانونية أو الاستعراض التشريعي، أو من باب المصالح الشخصية للإبقاء على الإجازة دون راتب أو إعادة تنظيمها، فأنا لم أعد موظفاً عاماً لدى أي من الجهات الحكومية منذ عام 2016.
وإنما أسعى من مقالي هذا لإيصال رسالة لأصحاب القرار، وضرورة التأني قبل اتخاذ الخطوة النهائية لإقرار هذا التوجه الحكومي، إذ أدرك تماماً أن دراسة هذا الموضوع تمت من النواحي التنظيمية ومدى تأثيرها على القطاع العام، وإن كنت أتمنى على الحكومة بيان السلبيات الناجمة عن وجود هذا النوع من الإجازات، على الرغم من إقرارها منذ نشأت الإدارة الحكومية، لا بل على العكس ففي عام 2009 تم تسميتي ممثلاً عن ديوان التشريع والرأي لأكون عضواً في اللجنة المشكلة من قبل دولة رئيس الوزراء (م. نادر الذهبي) آنذاك، لدراسة موضوع العمالة الأردنية في الخارج من كافة جوانبه، التنظيمية والتشريعية، ورفع التوصيات المناسبة بما يكفل توفير المظلة القانونية لبقاء العمالة الأردنية في الخارج، فالهاجس الأكبر كان لدى الحكومات الأردنية طيلة العقود الماضية، يتمثل في كيفية التسهيل على العمالة الأردنية للبقاء خارج المملكة، لما لها من دور في دعم الاقتصاد الوطني من خلال الحوالات التي يوفرها الأردنيون العاملون ي الخارج، وما تمثله هذه الأيدي العاملة من دور كبير في تعزيز سمعة الوطن وأبنائه.
وهنا يثار التساؤل؟ هل تمت دراسة الموضوع من الناحية الاقتصادية؟ هل السلبيات التي أوجدها مبدأ الإجازة دون راتب أكبر من الآثار السلبية على الاقتصاد؟ هل تم دراسة تأثير هذا التوجه في حال إقراره على زيادة الطلب على الأيدي العاملة الأردنية من عدمه، خاصة في قطاعي التعليم والصحة؟ هل تمت دراسة هذا التوجه من الناحية الاجتماعية؟
أدرك تماماً بوجود بعض السلبيات التي تنجم عن أي تنظيم حكومي سواء أكانت سياسات أو تشريعات، وأدرك كذلك أن الحكومة أقرّت مؤخراً سياسة لتطبيق منهجية تقييم الأثر التشريعي لبيان الآثار المحتملة أو المترتبة على إقرار أو تعديل التشريعات الصادرة عنها أو المزمع إصدارها، فهل تم تطبيق هذه المنهجية على مبدأ إلغاء الإجازة دون راتب؟ وفي حال تم ذلك، هل يمكن الإعلان عن نتائج تلك الآثار؟ من باب الشفافية ليس أكثر!!
إن إعادة تنظيم مبدأ الإجازة دون راتب بما يراعي مصالح الأردنيين العاملين خارج المملكة، ويعالج بعض سلبيات هذا النوع من الإجازات هو ما يجب أن نسعى إليه جميعاً، فما المانع من التفريق بين التنظيم القانوني لمنح الإجازة دون راتب للعاملين داخل المملكة والعاملين خارجها؟ بما يسهل الإبقاء على الأيدي العاملة خارج المملكة، على النحو الذي يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني وبما لا يؤثر سلباً على زيادة الطلب على الأيدي العاملة الأردنية، وبالتالي التنافس مع الأيدي العاملة من الدول الأخرى.
إن حصر عدم تطبيق الإجازة دون راتب على الكادر الأكاديمي في الجامعات ليس له مبرر واقعي، طالما نتحدث عن هجرة العقول، ألا تعاني الجامعات الأردنية من هجرات العقول بشكل جماعي، أم أن هذا النوع من الهجرات ليس له تأثير سلبي على القطاع العام،
فالمحافظة على الأيدي العاملة والكفاءات المهاجرة لا يكون بإلغاء هذا النوع من الإجازات وإنما بدراسة عميقة للأسباب التي دعت إلى هجرة هذه العقول، والتي لن يحول إلغاء مبدأ الإجازة دون راتب إلى امتناعها عن ذلك، إن ما نسعى إليه جميعاً هو أن يحقق هذا التوجه، في حال إقراره، التوازن بين مصالح الإدارة العامة، والآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على اتخاذه.