صحيح أن الأردن كان وحتى العام ١٩٨٠ حائط صد في مواجهة الخطر الصهيوني الآتي من الغرب، إلا أنه اليوم وبتطور الأحداث على مدى أزيد من أربعة عقود، غدا وبفعل غيره لا بفعله هو، حائط صد إضافيا لخطر آت من الشرق والشمال الشرقي، وهذا حمل كبير عسكرياً سياسياً اقتصادياً واجتماعياً. أميركا التي كانت ما عادت كما كانت، والإنقسامات فيها داخل الإدارة والكونجرس غير مسبوقة، وإسرائيل التي كانت حصنا مغلقا انكشفت اليوم وبدت على حقيقتها نمرا من ورق ما كان لها ان تصمد حتى الآن لولا الدعم الأميركي غير المسبوق أيضا.
في المقابل إيران لها مشروعها الذي يتمدد كل يوم، وبالذات بعد أن وجهت رسالتها إلى كل من إسرائيل وأمريكا والغرب عموما، ومضمونها انها باتت قادرة على الوصول من حيث هي إلى العمق الإسرائيلي كله بلا استثناء. يحدث كل هذا ويتصاعد الخطر على كل العرب في شرقهم، وهم مترددون تحكم قراراتهم القطرية المستفحلة، بعد أن غاب عصر التضامن العربي الذي كان في مواجهة المدد الصهيوني من جهة، والمدد الفارسي من جهة ثانية عندما ناصر معظم العرب العراق وأولهم الأردن إبان الحرب العراقية الإيرانية التي إستغرقت ثماني سنوات أنهكت البلدين معاً في حين كان بمقدور أميركا والغرب وقفها في غضون أربع وعشرين ساعة.
ونعود إلى الأردن الذي تحمل وما زال تبعات الحرب الغربية على العراق وما سمي بربيع العرب في سورية وغيرها، هذا فضلا عن وقوفه التاريخي المشرف مع الشعب الفلسطيني الشقيق، ونقرأ الواقع كما هو وما ينطوي عليه من مصاعب ومخاطر كبيرة جداً جدا.
ينهض الأردن ووحيدا بكل هذه الأعباء وغيرها كثير، ويقف حائط صد في وجه الخطرين الصهيوني والفارسي المتدرج الذي يسخر عصابات تنطلق وللأسف الشديد من أرض عربية تحاول المرور عبر أراضينا وبقوة السلاح منتهزة الحرب البشعة على غزة وسائر فلسطين لتقول للرأي العام الأردني أن هذا السلاح المرافق للمخدرات موجه إلى الضفة الغربية، ولا تقول لنا هل المخدرات هذا السم القاتل موجهة أيضاً إلى أهلنا في فلسطين مثلا!.
لو كان عرب اليوم الذين نجل ونحترم كما عرب الأمس، لما ساد هذا الحال المائل، ولعرف كل طرف معتد على الأردن وعلى فلسطين وعلى كرامة الأمة كلها حده ولم يتجاوزه قط.
يعلم الجميع أن الأردن يزن مواقفه بميزان حساس جدا يضع أمنه واستقراره ووجوده في رأس سلم أولوياته، وهذا حقه ككل أقطار المعمورة. لكنه في مقدمة الداعمين والمناصرين لقضية فلسطين وعذابات شعبها الشقيق ليس منذ اليوم، وإنما منذ نشأت دولته في عشرينيات القرن الماضي.
الأردن لم يخاصم أحداً سوى المحتل الإسرائيلي، وهو لم يخاصم إيران وبالضرورة يتمنى لو أن العلاقات من جانبها تتخلى عن التدخل في شؤونه وشؤون العرب، لكن هذا قرار إيراني وليس أردنياً.
الأردن لا يجب أن يبقى (مخلى قوم)، فالواجب القومي العربي يقتضي من كل العرب دعم الأردن بالمال والسلاح وسياسياً واقتصادياً وبكل سبل الدعم ليس دفاعاً عنه وحده. وإنما دفاعا عن بلدانهم هم أيضا.
الأردن حائط صد ليس عن حدوده فقط. وإنما عن حدود كل العرب في مشرقهم، فإن صمد وهو صامد بعناية الله، فهذا مصلحة وطنية قومية لهم، وإن طاله الأذى لا قدر الله، فهم أول المتأذيين.
الله من أمام قصدي..
الرأي