النضال القانوني ضد أقوياء العالم
د. ايهاب عمرو
18-05-2024 03:09 PM
لعل العبارة التي قالها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في مجلس الأمن قبل فترة وجيزة في معرض تناوله للأوضاع في كل من ليبيا، وأوكرانيا، وفلسطين من أنه لن يخضع لضغوط أقوياء العالم ممن يملكون السلطة والنفوذ تشير إلى حجم الضغوط الهائلة التي تعرض ويتعرض لها من أجل منعه من المضي قدماُ في الإجراءات القانونية ذات العلاقة، مع تأكيده على مواصلة النضال من أجل العدالة، ومن أجل الضحايا، في ضوء القانون الذي حسب رأيه يقف معه.
وتلك العبارة ألهمتني كتابة هذا المقال، وأقصد هنا أن فكرة المقال تتمحور حول النضال القانوني ضد أقوياء العالم ممن يملكون السلطة والمال والنفوذ من بعض السياسيين، والأمنيين، والعسكريين، والرأسماليين، وغيرهم ممن يحكمون الناس ويتحكمون بأقواتهم ومصائرهم دون وجه حق، ما يعني أن أقل من 1% من سكان العالم من أصحاب السلطة والمال والنفوذ يحكمون غالبية الناس ويتحكمون بمصائرهم، ما يشير إلى حجم المأساة التي حلت بهذا الكون.
ونجد تطبيقات لأقوياء العالم على مستوى كبار الشخصيات، أو ربما في بعض الأحيان صغارها من الجهلاء أصحاب النظرة الضيقة، ممن لديهم السلطة والنفوذ ما يمكنهم من استخدامها ضد فئات أخرى من أكاديميين، ودارسين، وباحثين، وعاملين، ومناضلين لأجل الحرية والعدالة القانونية والاجتماعية في هذا الكون الفسيح الذي أصبح ضيقاً بسبب أفعال تلك الفئة القليلة التي تمسك بزمام الأمور، وتشكّل قوى ضغط هائلة على باقي سكان العالم.
وتلك المنظومة من أصحاب السلطة والمال والنفوذ التي ربما تشكّل تحالفاً معلناً في بعض الأحيان، وغير معلن في أحيان أخرى، تتمتع بأدوات كثيرة تمكنها من الاستمرار في التأثير على الأحداث. إضافة إلى قيام أولئك الأشخاص الذي يشكّلون هذا التحالف بتحصين أنفسهم من أية مسائلة قانونية من خلال سيطرتهم في كثير من الحالات، خاصة في معظم الدول النامية سواء كانت في قارة آسيا أو إفريقيا، وبعض الدول اللاتينية، وفي معظم دول شرق أوروبا، على القضاء بواسطة التعيينات ذات الأبعاد الحزبية والسياسية، والبعيدة كل البعد عن المعايير المهنية الواجب مراعاتها في التعيينات القضائية.
ناهيك عن قيامهم بتحصين أنفسهم من خلال المعارف والعلوم في أرقى جامعات وكليات ومعاهد العالم التي تمكنهم من تمييز أنفسهم عن غيرهم من باقي الناس، حتى أولئك الدارسين في جامعات أقل مستوى، ما يجعلهم، أي أصحاب السلطة والمال والنفوذ، في مستوى أعلى من ناحية علمية وفكرية واجتماعية من أوساط أكاديمية، وإعلامية، وأدبية، وفكرية أخرى لا ترقى لمستوى تفكيرهم ودراستهم، ما يساهم بشكل كبير في منع أية محاولات من قبل تلك الأوساط الأكاديمية والفكرية والأدبية والإعلامية لتوضيح حقيقة أفعالهم ومراميها بعيدة المدى التي تؤثر على باقي فئات المجتمع، خاصة شرائح المجتمع الأكثر فقراً، مقابل تلك الفئة القليلة من أصحاب السلطة والمال والنفوذ الأكثر ثراءً.
وكما أشرت آنفاً، فإن أصحاب رؤوس الأموال سواء كانوا أشخاصاً طبيعيين أو معنويين كالشركات، ربما يشكلون جزءاً لا يتجزأ من منظومة القوة والنفوذ تلك.
في هذا السياق، ذكر الكاتب العالمي ذو الاتجاهات اليسارية نعوم تشومسكي في كتابه "الربح فوق الشعب" من أن العولمة تسمح بهيمنة الشركات الكبرى على مقدرات الشعوب وتتيح لحفنة من الشركات الخاصة السيطرة على أكبر حيز ممكن من الحياة الاجتماعية في جميع بلدان العالم، بما فيها الدول النامية، لمصلحة كبار الأغنياء والمستثمرين، ولصالح أقل من ألف من الشركات الكبرى.
ويرى ملتون فيسك في كتابه "العيش بكرامة في ظل الاقتصاد العالمي: الصراع من أجل المنافع العامة" أنه لا بد من مقاربة الليبرالية الجديدة التي تمثل الدعامة الحقيقية للاقتصاد العالمي من جانب مدى تحقيقها للعدالة، ولا يراها في هذا السياق سياسة اقتصادية فحسب بل منظومة أيضاً. ويرى أن الليبرالية الجديدة لم تكن قدراً محتوماً لو توفرت الإرادة السياسية المناسبة. ويرى أن وضع حد لها ما زال ممكناً، بما يفسح المجال لقيام نظام اقتصادي عالمي على دعائم جديدة تتسم بعلامات من العدل والإنصاف.
خلاصة القول، إن النضال القانوني ضد أقوياء العالم لا بد أن يستمر بأدوات قانونية تتيح ضبط سلوكهم وتصرفاتهم التي تؤثر على العالم بالعموم، وعلى شرائح المجتمع الأكثر ضعفاً وفقراً بالخصوص. ولعل وسائل الإعلام تستطيع أن تلعب دوراً في هذا السياق من خلال نشر الوعي داخل المجتمع بشأن مسائل اقتصادية، واجتماعية، وسياسية خلافية. كما تستطيع الأوساط الأكاديمية، خاصة القانونية منها، مواصلة العمل على تعزيز حكم القانون على مستوى الدولة، وعلى مستوى العالم أيضاً، من أجل تجسيد العدالة القانونية لضحايا الحروب والأزمات السياسية.