هل يستطيع عاقل ، أن يختار بين بقاع العالم أجمع ، بقعة يعلم يقينا أنّها الاخطر ، رقعة قد تُفارق بها روحهُ جسده؟
هل يستطيع عاقل أن يقبل بملذّات الدنيا و يغادر أرضا هادئة هنيّة ، ليُستورد كالماشية لأرضٍ ما إن يدخلها حتى يُقحم بحربٍ أزلية؟ و لأجل ماذا؟ لأجل حكومات متعاقبة تغتال الاحلام حتى تلك البسيطة؟!
كلمات أتوقع أنّها خرجت عن لسان اسرائيليين كُثر ، هربوا إلى بلدانهم الاصلية، إلى جغرافيا يحملوا جنسيتها ، خصوصا بعد السابع من اكتوبر ، فأنا لا أفهم العِبرية ، لكنّي أفهم بالعربية ما قد يواجهه هذا القوم الذي ارتسم عنوانهم العريض "بالظلم و السطو".
حكاية فلسطين، حكاية معقدة، كان بها المسلم و المسيحي و اليهودي، جيران و اصدقاء و اخوة، فأناس كُثر لا يعلمون بأنّ فلسطين كانت مثالاً و انموذجا بالتآخي و المحبّة، بالعيش المشترك و المصير الواحد، صفحات كاملة من التاريخ كان عنوانها الجيرة، أتت تلك الدولة أو شبه الدولة، وأدمتْ الورق ولوّنت الصفحات بالاحمر، و مزّقت علاقة الاديان و اتباعها!
أفكّر في مخيّلتي ، يا ترى و "لا سمح الله" لو كنتُ صهيونيا ، هل كنت سأبقى ضمن هذه المتاهة ؟ ضمن هذه الأرض الكبيرة الاشبه باللُغم؟ و حتى لو زيّفت المدرسة التاريخ و العائلة الجغرافيا و العالم الحقائق ، هل ستخفى عنّي حقيقة هذه الأرض ، حقيقة أن المطعم يقبع على مقبرة ، و المستشفى اساساته العظام ، و المدرسة في جذورها الاشلاء؟ و مثلا لو مرّت حقيقة دخيلة عليّ لثوانٍ على صفحة عربية أو صحيفة غريبة تدعم القضية ، هل سأُهملها أم ساتتبعها؟
هل سأضرب بيدي عقلي بالعمى ، و أسير مطالبا العالم بحماية دولتي ، تلك "الديموقراطية الوحيدة " في الشرق و التي فاقت بدمويّتها أعتى دكتاتورية عرفها الشرق ، هل سأفصل بين اليهودية و تاريخ هذه الأرض ، و دولتي المزعومة التي تدعي حمايتي و حماية العِبرية؟
هل ساُسكِتْ افواه من يقولون أنّ دولتي هذه ما هي إلّا دُمّل استحدثه الغرب على وجه الشرق؟ أم سأقتنع بكلامهم ضمن الواقع المنطقي ، ضمن حقيقة أن دولتي القوية كما تدعي ، لم تصمد ساعات دون دعم غربي واسع؟
لو كنت يهوديّا أو صهيونيا على الخصوص ، هل كنتُ سأمقت الغرب و جامعات الغرب؟ و أقول أن حتى أولئك غير الناطقين بالعربية يكرهوننا ، و في ذات الوقت اشكرهم لدعمهم دولتي في الابادة ، و اعي أنّهم لنا المنقذ؟
هل يا ترى كنتُ سأقول بأنّ أهل غزة جميعهم حيوانات و علينا القضاء عليهم ، و من ثم إن سألني ابني عن هتلر سأقول له كان يعامل اليهود كالحشرات؟ هل سأنفصم و أزدوج بقبولٍ هنا و رفضٍ هناك؟
لو كنتُ صهيونيّا ، هل سأستطيع العيش بأمان ، أم سأفقد شعور الراحة إلى الأبد ، شعور أرى الفلسطيني حتى ذلك المعذّب يشعر به ، فهو يناضل على أرضه عكسي تماما؟
هل يا ترى كنتُ ساكذّب المعامل و المختبرات التي تدعي أن جذوري ليست من هنا؟ و بأنّنا كسلة الاشلاء ، من كُل قُطرٍ انسان؟ هل كنتُ سأقتنع بأنّنا نناضل من أجل الحرية ، و أنا أرى أصغر طفل اسرائيلي يستطيع سجن كهل فلسطيني لبقية حياته بكذبة صغيرة.
في الحقيقة، لو كنتُ صهيونيا لاشتركت مع يهودٍ كُثر بنقد وطنٍ يدّعي حمايتي و هو غير قادر اصلا على حماية نفسه ، لو كنتُ صهيونيا لغادرت هذه الأرض التي لفظتنا مرارا و على ترابها سفكنا ملياراتٍ من قطرات الدم ، لو كنت نِصفَ صهيونيّ لطالبت بدولة فلسطينيّة، هي طوق نجاة لي قبل أن تكون لهم...تضمن حياتي قبل حياتهم!
دولة لا شظايا جغرافية ، دولة يستطيع الاطلس رسمها ، و يستطيع شعبها العيش بها ، لو كنتُ صهيونيا لسعيت للحفاظ على حياة الفلسطيني قبل حياتي ، فالصفعة التي أصفعها اليوم له قد يردّه حفيده لحفيدي رصاصة ! فهل أشتري بيدي دم اجيال من بعدي؟
لو كنت صهيونيّا كنت سأُذهل من امّهات الاعداء ، من صبرهم الفولاذي ، و قوّتهم الحديدية ، من جبروتهم داخل رحم الحُزن ، و صلابتهم اعلى قمة الفرح.
لو كنتُ صهيونيا لطالبتُ العالم بتأديب دولتي ، لمشيت مكسور الكرامة أمام ما يحدث ، كيف كنتُ سأنظر إلى اطفالي ، إلى اطفال جيراني ، كيف كنتُ سأطيق النظر إلى مجموعة اطفالٍ معا ؟ لو كنتُ صهيونيا و الحمدلله أنّي لم و لن أكن...كانت ابسط احلامي أن أكون انسان...يصاب العمى و النسيان.