يقول الأمريكي إدوين رايشاوير في كتابه " اليابانيون" عام 1979 والمتضمن على تسعة وعشرون فصلاً يجسد فيها تاريخ وثقافة المجتمع الياباني ومراحل تطوره على مر العقود وصولاً إلى ما هي عليه من قوة أقتصادية وصناعية وتعليمية وحضارة مجتمعية هائلة قد أبهرت شعوب العالم. ومن أحد فصول الكتاب يتعلق بسيكولوجية الشعب الياباني والمرتبطة بمجموعة من العوامل قد أسهمت وبشكلٍ مبهر إنطلاقاً من القيم المجتمعية، وقوة الإرادة. وبعيداً عن الخوص في التفاصيل، فقد لفت إنتباهي هذا الفصل والممتع بتفاصيله، وبإعتقادي بإن الشعب الياباني إستطاع أن يجسيد سيكولوجية خاصة متميزة وفريدة ومختلفة تماماً عن مجتمعات العالم، وأصبحت بمثابة خارطة طريق ترمي إلى ترسيخ ثقافة فكرية محملة بالجدية والإنجاز، مع الاشارة إلى تهربهم الملحوظ عن أضواء الكاميرات لإيمانهم بإنها لا تعكس هويتهم وحضارتهم بالرغم من أن اليابان أول من صنع الكاميرا.
لقد أشارت الدراسات الاجتماعية بإن ثقافات الشعوب لا تقاس بالكلام ولا بتوزيع الابتسامات المصطنعة أمام الكاميرات وإنما بالأفعال، وهذا بالفعل ما يؤمن به المجتمع الياباني. وهذا يقودنا إلى سؤال رئيس يلامس واقعنا ولابد من طرحه لمعرفة أسباب شغفنا بأضواء الكاميرات؟ وهل أضواء الكاميرات مرتبطة بسيكولوجيتنا؟ قد نتفق إلى حدٍ ما إلى وجود هذه العلاقة أعتقادٍ منا بإن من غايات إستخدام الكاميرا والزج بأنفسنا نحوها لإبراز إمكانياتنا ومواهبنا الشخصية والعائلية والوظيفية ومناسباتنا المختلفة لتكون الكاميرا أي الصور والفيديوهات وغيرها شاهداً ودليل على توجهاتنا الفكرية وغاياتنا الشخصية والاجتماعية وغيرها. ولكن الغريب بالموضوع بإننا نعيش حالة ملفتة للأنتباه أخرجتها أضواء الكاميرات، وهذا قد يعبر عن تركيبة سيكولوجيتنا والتي يراها العديد بإنها محملة بالعديد العوامل الضابطة والدافعة لهكذا تصرفات وفي الغالب تفسر بدوافع نفسية وشخصية وإجتماعية بلورة طريقة تفكير وسيكولوجية معينة قد تكون أشبه بعلاقة الكاميرا بنجوم هوليود. وهذا الكلام ليس إفتراءاً وإنما الأدلة والشواهد كثيرة والجميع يتابع وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة وجميعها تؤكد على شغفنا بالكاميرا وأضواءها، مما شكلت ثقافة مجتمعية عامة ورائجة وبغض النظر عن الحقيقة من وراء استخدامنا للكاميرا أو زيفها.
نشهد جميعاً الغزو التكنولوجي وحداثة الصناعات ومنها الكاميرا ذات التقنيات الحديثة والمزايا التقنية الفائقة وأخص الرقمي منها، والقادرة على تضخيم الحدث أو تصغيره أو أخراجه بطريقة فنية خارقة مع تشكيلة واسعة من الإبتسامات الصفراء والحركات المصطنعة. فمرة أخرى، قد نتفق إلى حدٍ كبير إلى حاجتنا للكاميرا ودورها وغاياتها المعروفة للجميع لكن لابد من أن نعي وننتبه من زيف ما تصنعه الكاميرا للحقيقة من تراجيديا مصطنعة، وهذا يقودنا إلى فقدننا لبوصلة التحضر الفكري والرامي لصناعة ثقافة مجتمعية حاضنة للثقة بالنفس، وقوة الارادة، وبلورة القيم كأساس للتحضر كما أكدت عليها ثقافات مجتمعية حول العالم قد نالت نصيباً في الترتيب العالمي للثقافات البشرية لإيمانها بإن أضواء الكاميرات لا تصنع الحقيقة ولا الحلول ولا المعجزات ولا التسابق الفكري والثقافي، ولكن ما نشهده بإن الكاميرا أصبحت ملهاة للتسلية وسد الفراغ الفكري في معظم الحالات وبعيداً عن الحقيقة والغاية وقد نكتشف عواقبها في وقت متأخر.