الاحتلال الإسرائيلي وموروث العمى الاستراتيجي
د. محمد حمدان الغرايبة
18-05-2024 01:02 AM
يعرف العمى الاستراتيجي بأنه وصول الكيان السياسي الى نتائج غير مرغوبة وغير مقصودة وبشكل متكرر رغم توفر الامكانيات التي تؤهله لتحقيق النتائج المرجوة، إلا أنه بسبب افتقاره للتفكير الاستراتيجي بعيد المدى يحصل على هكذا نتائج.
فهل يعاني الاحتلال الاسرائيلي من العمى الاستراتيجي حقا؟ دعونا نسقط التعريف على ماضي وحاضر الاحتلال الاسرائيلي حتى نتمكن من تشخيصه بدقة.
فإذا قلبنا في صفحات تاريخ المشروع الصهيوني، وجدنا أنه بعد أكثر من قرن على انطلاقته لم يتمكن من تحقيق أهدافه في المنطقة والدليل على ذلك أن هذا الاحتلال لم يتمكن من إبادة الشعب الفلسطيني، ولم يتمكن من تهجيره إلى الخارج، ولم يتمكن من توسيع حدوده إلى ما يعرف باسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولم يتمكن من أن يسود المنطقة كما اراد. وجل ما حصل عليه هو شعب مفكك مجمع من شتى بقاع الارض ما يفرقه اكثر مما يجمعه! حصل على مقاومة شرسة بدأت بالحجارة وانتهت بالطوفان، حصل على سمعة رديئة بين دول العالم بالوحشية والتعدي على الابرياء ومخالفة القانون وانتهاك حقوق الانسان، حصل على دولة عندها عقدة أمنية مزمنة وعسكرة غير طبيعية للمجتمع! هل توقع المشروع الصهيوني هذه الأمور، قطعا لا وهذا هو العمى الاستراتيجي بعينه!!!!
وإذا نظرنا الى واقع هذا الكيان اليوم، نجد أن حكومته مصابة بذات الداء. فما بدأ العدوان الاسرائيلي على غزة حتى وضعت حكومة الاحتلال اهداف طوبائية تشبه أهداف أسلافهم فقالوا انهم سيدمرون حماس وقدراتها القتالية، وأنهم سيعيدون الأسرى بالقوة، وأنهم سيغتالون قادات الصف الأول للمقاومة، وأنهم سيدمروا الأنفاق. وبعد اكثر من ٢٢٠ يوم عن العدوان لم يحقق الاحتلال اي من هذه الأهداف. هل توقع الكيان ان تصمد المقاومة الى اليوم ؟ هل توقع الاحتلال ان يدخل في حرب استنزاف كهذه؟ هل توقع أن يتدمر اقتصاده؟ هل توقع الاحتلال ان تتشوه صورته امام العالم؟ هل توقع ان يقف في محكمة العدل الدولية؟ هل توقع أن تجتاح الاحتجاجات الطلابية على الاحتلال والتعامل مع الاحتلال الجامعات الأمريكية؟ هل توقع ان تعترف دول جديدة بدولة فلسطين؟ هل توقع الاحتلال ان يغرق في مستنقع غزة؟ هل توقع الاحتلال ان لايعود من غزة إلا بخفي حنين؟؟
ويتجلى العمى الاستراتيجي للكيان بوضوح عند الحديث عن اليوم التالي للحرب. وقد تكون الولايات المتحدة أول من شخص هذا الداء عندما أعلنت أن إسرائيل لا تمتلك تصور واضح لليوم التالي بعد الحرب. فمن جهة ها هو وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت يقول أنه لا يشجع حكم عسكري اسرائيلي على غزة وذلك لكلفته المادية العالية ولخوفه على ارواح الجنود، وبالتالي يعود حكم غزة بعد الحرب للفلسطينيين وهذا باختصار انتصار للمقاومة واثبات صريح لعبثية العدوان على غزة. ومن جهة اخرى ها هو نتنياهو يصرح بأنه لن يسمح لا لحماس ولا لفتح بحكم غزة بعد الحرب، اذا من يحكم غزة؟؟؟
خلاصة القول أن الكيان الاسرائيلي يعاني من العمى الاستراتيجي منذ اكثر من قرن. وهذا الداء العضال سيقوده من هزيمة استراتيجية الى أخرى حتى يتفكك وينهار.