تطبيق القانون مرهون بقدرة النظام السياسي على تحمل النتائج المترتبة عليه .
تعمل الحكومة من اجل اصدار قانون "من أين لك هذا"? وفق ما صرح وزير الدولة لشؤون الاتصال والاعلام الاستاذ طاهر العدوان الذي عبر عن اعتقاده أن القانون بعد صدوره "سيقض مضاجع كل فاسد يعتقد انه بعيد عن الملاحقة والمساءلة".
"من أين لك هذا"? كان مطلبا للكثيرين في المعارضة منذ زمن طويل. وفي كل مناسبة يجري فيها تناول قضايا الفساد يتجدد طرح المطلب, ويرى قانونيون وسياسيون ان إقرار قانون إشهار الذمة المالية من دون وجود قانون "من أين لك هذا"? يجعل حزمة قوانين النزاهة غير فعالة لا بل منقوصة.
واثبتت تجربة الاردن الحديثة في مكافحة الفساد عجز التشريعات القائمة عن الإحاطة بكل اشكال الفساد والتحقيق بثروات تضخمت لشخصيات تبوأت مراكز قيادية واصحاب "بزنس" استغلوا علاقاتهم مع رجال في الحكم للتحايل على التشريعات وتعديلها احيانا بما يخدم مصالحهم.
وهيئة مكافحة الفساد وكما هو معروف معنية في جرائم الفساد حال وقوعها او عند التبليغ عنها, أما تلك التي وقعت من قبل ويعتقد مرتكبوها ان الوقت فات على اكتشافها, فهي التي تحتاج الى قانون للمساءلة بأثر رجعي وهو في هذه الحالة: "من أين لك هذا"?.
ان الكسب غير المشروع يعد واحدا من اهم "مصادر الدخل" لفئات من رجال الاعمال والحكم في الاردن, والراصد لتاريخ التطور الاقتصادي والسياسي في العشرين سنة الاخيرة بمقدوره ان يلحظ وبسهولة المؤسسات التي تمركزت فيها هذه الفئات, وأوجه النشاط المتداخلة التي عملوا فيها, والاشكال المتعددة والظاهرة للكسب غير المشروع, ومظاهر الثروة البادية على اصحابها يتوارثوها جيلا بعد جيل.
ذلك يعني ان الاهمية ليست في إقرار مثل هذا القانون, انما في توفر الارادة السياسية لتطبيقه, وقدرة النظام السياسي على تحمل النتائج المترتبة على فتح ملفات مئات الاشخاص والعائلات, واسترجاع الاموال المسروقة ومحاسبة المتورطين, ناهيك عن مواجهة التداعيات الأمنية والاجتماعية المترتبة على خطوات "ثورية" كهذه.
لا نريد من هذا التحليل ان نثبط من عزيمة الساعين الى إصدار القانون, لكن ينبغي علينا ان ندرك منذ الآن ان عملية "اصلاح النظام" والقانون المذكور في صلبها هي عملية مكلفة وباهظة الاثمان والسير فيها يتطلب توفر إرادة حديدية قادرة على تحمل الهزات العنيفة, والتضحية ببعض المكتسبات الآنية للتأسيس لمستقبل جديد ومختلف للدولة الاردنية.
ان الدول التي تلجأ لسن قانون "من أين لك هذا"? هي التي تقاعست في السابق عن مكافحة الفساد وعطّلت ادوات الرقابة والمساءلة ثم أفاقت فجأة من هول الصدمة, بعدما اكتشفت حجم الاموال المنهوبة والثراء الفاحش لفئات قليلة على حساب الاغلبية الساحقة, ولتفادي الإنهيار واسترجاع ما فاتها صار لزاما عليها ان تقبل باجراء جراحات عميقة بكل ما يترتب عليها من مخاطر جمة.
إقرار قانون "من أين لك هذا"? سيظل حبرا على ورق اذا لم يتبدل المناخ العام في البلاد ويغدو الاصلاح الشامل هدف الجميع.
fahed.khitan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)