نعم النص ملتبس لكن تعليمات الهيئة المستقة للانتخاب هي الترجمة الوحيدة والصحيحة والقابلة للتطبيق لقانون الانتخاب فيما يتعلق بمقاعد المسيحيين والشركس والشيشان في القوائم الوطنية.

مقال العين والخبير الضليع في الانتخابات معالي بسام حدادين سلط الضوء على اشكالية النص واثار عاصفة في الوسط السياسي والانتخابي اذ طعن في تعليمات الهيئة المستقلة لأنها تناقض نص القانون وتجتهد في اعتماد معيار وحيد للحصول على مقعدين مسيحيين ومقعد شركسي في القوائم الوطنية هو ترتيب هؤلاء المرشحين في القوائم الفائزة – اي التي تجاوزت العتبة بينما القانون يضع معيارا آخر هو عدد اصوات القائمة وهذا معيار واجب التطبيق فلا اجتهاد في موضع النص. وحصل الرفيق والصديق ابو ياسر كما يبدو على تأييد عدد من خبراء القانون وأثار الأمر بلبلة شديدة فأجد نفسي مضطرا لهذا التوضيح والشرح للموقف الذي أعلنته في بداية هذا المقال.

يقول نص المادة 5/55 من القانون " يتم ملىء المقاعد المخصصة لهم من القوائم التي حصلت على اعلى نسبة ( اصوات ) وبحسب الأعلى ترتيبا في القائمة"، كما هو واضح منطوق النص يضع معيارين اثنين هما اعلى الأصوات للقوائم والأعلى ترتيبا بين المرشحين.

وهذا مستحيل التطبيق ولنأخذ مثالا عمليا: القائمة الأولى الأعلى اصواتا لديها مرشحين مسيحيين ومرشح شركسي ومواقعهم هي في ذيل القائمة يعني ارقام 39 و 40 و 41 والقائمة التي تليها اصواتا لديها ثلاثة مرشحين في موقع هو الأعلى بين جميع القوائم مثلا اربعة وخمسة وستة، بتطبيق معيار القائمة الأعلى اصواتا فالمقاعد الثلاثة تذهب للقائمة الأولى وبتطبيق الترتيب تذهب المقاعد الثلاثة للقائمة الثانية.

ان القانون يدعو بوضوح الى نظام المفاضلة بين القوائم حسب ترتيب المرشحين فيها لكنه اعطى وصفا لهذه القوائم هو " القوائم الأعلى اصواتا! فما هي القوائم الأعلى اصواتا التي تدخل في المفاضلة ؟ اول 3 قوائم مثلا ام اربعة ام خمسة ؟! ان كل قائمة هي الأعلى اصواتا مقارنة بالقائمة التي تليها وصولا الى خط الفصل عند القوائم التي تجاوزت العتبة وفي هذه الحالة لا معنى لهذا النص وكان يتوجب استبداله بنص "القوائم التي تجاوزت العتبة".

وما يعزز اعتبار ان معيار المفاضلة في الترتيب هو المعتمد أن نص البند التالي يقول " اذا تساوى ترتيب المرشحين في اكثر من قائمة يتم الاحتكام الى عدد الأصوات المطلقة للقائمة" يعني وقتها يتم اخذ المرشح من القائمة الأعلى اصواتا. ويبدو ان الهيئة المستقلة اعتمدت على هذا النص في وضع التعليمات التي تعتمد ابتداء نظام المفاضلة في الترتيب بين القوائم التي تجاوزت العتبة.

وقد فزع "مصدر" من لجنة التحديث السياسي بتصريح يؤيد فيه الهيئة المستقلة ويدافع عن سلامة النص وتفسيره ب "المنطق" وب "قصد المشرع"، وهذا النمط من التبرير لنص خاطىء غير جائز فالمنطق هو شيء استنتاجي يخص صاحبه وليس كل من يقرأ النص يعتمد نفس "المنطق" وكذلك قصد المشرع الذي يتم اللجوء اليه اصلا حين لا يسعف النص الوضوح الكافي وليس الخطأ في التعبير.

وإن المكابرة بعدم الاعتراف بوجود خلل في النص ليس جديرا بمصدر من لجنة التحديث ناهيك ان اللجنة لم تعد موجودة اصلا وليس لأحد حق النطق عنها وأنا احد اعضاء لجنة الانتخاب في لجنة التحديث ولا اذكر اننا اعتمدنا شيئا غير المفاضلة بين القوائم على اساس ترتيب المرشحين بين القوائم الفائزة.

ارجح انه في محطة ما اثناء تنقيح النصوص تمت صياغة البند بهذه الطريقة وبإستخدام تعبير اعلى القوائم دون انتباه للخلل الفادح في التعبير الذي يقصد به كل القوائم التي جاوزت العتبة. وبالمناسبة فالقانون يحفل بالتعابير غير الموفقة من حيث درجة الاحكام والدقة في التعبير عن المقصود بها.