التسيير الايراني .. والتنوير الاردني!
أحمد سلامة
13-05-2024 02:13 PM
الآية الكريمة من سورة الحج رقم ٢٧ تبدأ بنداء على هيئة مناشدة (واذن في الناس) ورغم انها خاصة بشعيرة الحج الا ان جواز تعميمها على احداث عامة باستنهاض الروح والنفوس الابية جائز والله اعلم !! ووظيفة الكاتب ان يواصل (دور المؤذن في الناس) في لحظات التحولات الكبرى! ولا احسب ان حدثا داهم امتنا منذ ان (اخرج السادات) مصر من معادلة الحرب والسلام عام ١٩٧٨م، وانقضاء اجل اهم تجربة قومية بديلة ردت على ذلك (تجربة الشهيد صدام حسين في العراق) لا احسب ان مصيبة مذلة كاسرة داهمتنا موجعة تحتاج ان (نؤذن) في الناس بما هو الحق اكثر من هذه اللحظات المحزنات …
في ليل السادس عشر من كانون الثاني عام ١٩٩٠ م انطلقت كل قاذفات العالم، الساعة الواحدة وعشرون دقيقة صباحا واجتاحت بغداد بصورة اكثر من اذعانية واستعلائية!
كان الخليج العربي قد احس بخطر الزوال، فانتفض.. وشمشمت قاهرة مبارك روائح البارود والنفط بتداخل اعمى بصيرتها عن مصلحة العرب للتخلص من محنة الدخول الى الكويت بالتفاهم في نطاق الاسرة العربية…
كان ذلك فرصة لتحسين الاقتصاد المصري (مؤقتا) وخروجا من الدور التاريخي لدور الشقيق الاكبر وانحازت قاهرة مبارك للاقتصاد ضاربة التاريخ العربي كله بعرض الحائط، وكما استبد السادات بقرار الحرب والسلام انتزع مبارك من مصر دور قيادتها للعرب بالانحياز السافر لامريكا!! وكان في ذلك تتميما لمكارم الخليفة (مبارك) لاخلاق السادات بالاستعلاء على العرب!!
ودمشق البعثية ارسلت (٢٥ الف مقاتل) من خيرة طلائع قواتها المسلحة استخدمهم (شوارزكوف) القائد الميداني للتخلص من العراق قوات حجابات مهدت استرداد الكويت في ٢٥ شباط من عام ١٩٩١ م
قصة خلاف البعث أكدت صحة الرواية القرآنية عن علاقة (هابيل وقابيل) الاخوة الاعداء بمزاحمة التنافس!!
ماذا ايضا.. حين كان الخميني رحمه الله، يقبع في منفاه القسري بالنجف تحت اسمى رعاية صدامية على مدار عقد السبعينيات تمتع اتباعه بذات الرعاية لقد (أُذن) لهاشمي رافسنجاني، بتشغيل فرن في بغداد اي (عيش وملح) قد صار حقيقة مع النظام العراقي (وهاشمي / الذي اضحى رئيسا للجمهورية الدينية الايرانية).. وبالاعتماد على الانسانيات وحدها فانني استخلص محاولة (الرئيس صدام رحمه الله) اجتذاب ايران بالحياد وليس بالمشاركة في مواجهة الشيطان الاكبر!
لكن النظام الايراني كان قد باشر رقصة الزار الخفية مع الامريكان والتي مكنته التغلغل لاحقا الى قلب القلب في صراعات الشرق الاوسط الجذابة!!
لقد اختطفت ايران صفوة الطيران الحربي العراقي وصادرته باعتباره غنيمة حرب تعوضها عن خسائر حرب السنوات العشر، وللتاريخ علينا ان (نؤذن للناس هنا في الاردن) فنقول لو بقي صدام حسين على خريطة الشرق الاوسط لاعبا لما سمعنا بثلاثة (سطوة اوردوغان وجبروت الاتراك من جديد) وفوران الدور الايراني وجعله افران الشرق الاوسط تغلي بشعارات المذهب وصواريخ بمسميات محددة.. ولما تمكنت اسرائيل من اجتياح غزة !!!
من مهد لازالة النظام العراقي واعان على ذلك لا بد ان نوجه السؤال هذا الى المشايعين لدور ايران والمعجبين باصوات مسيراتها تحوم فوق الشرق الاوسط!!
ناسنا في الاردن وعلى معنى الحصر نخبتنا الوطنية، تحب دوما ان ترى ذاتها فوق تفكير دولتها وانها دوما اكثر وطنية واجرأ في اتخاذ المواقف!!
ورغم ان النخبة الاردنية الفلسطينية المتداخلة احيانا حد النزق واختفاء العقلانية والغاء للذاكرة فان التاريخ هو استاذ البشرية وليس اللحظة الراهنة
إن الاردن الذي كان يعي وبوثائق قمة بغداد الاخيرة التي عقدت في ١٧ ايار عام ١٩٩٠م قد ادرك القادم المعتم، ورغم ان الكيان كله كمشروع قومي قد بلغ الحافة مرة اخرى في ذلك العام الا ان (القيادة الهاشمية) لم تعر للمال الذي دوما كان حاجة عندنا اي اعتبار فرفضته!!
ولم يثنها (الزفير الامريكي) في وجوهنا، وقبل المسيرات وقبل كل هذه النزاعات على الدور الاول لدى الامريكان من تنافس ضار بين الاتراك وايران واسرائيل.. كان الاردن يدفع ثمنا جديدا افتداء لامته وكانت ايران في صف دق عنق قيادة الامة في بغداد..
ونحن في الاردن الوطن الوحيد والدولة الوحيدة التي لم تربكنا يوما الادعية المذهبية ولا التضاد في السباق لحب ال البيت فال البيت الهاشمي هم اهل البيت الاردني وقادته وصانعيه ومبلورين منهجه المعندل العميق الثبات
(كان الشهيد الذي اغتيل على ابواب الصحن الحيدري في النجف سماحة السيد عبد المجيد الخوئي) واتباعه ومشايعيه من احب واقرب الخلق لقلب (الحسين والحسن) وذات مرة.. وكنت من تشرفت ان اكون في خدمة ذلك السيد الجليل بتكليف سيدي الحسن.. اقام الكاتب والاعلامي المهذب عبد السلام الطراونة مادبة عشاء لسماحة السيد ليتعرف على نخبة من الاعلاميين… حضر كتاب وصحفيو تلك المرحلة ذلك العشاء في منزل الاخ والزميل عبد السلام الطراونة .. وكالعادة باشر الاردنيون النقد بصوت عال الفساد عام، البلاد خربانة، وانا حكيت وانا قلت..
كان في الجلسة غضبا مالوفا في النطاق الوطني، لكن سماحة ذلك السيد الذي كان يقبل يد الحسين كعميد لـ ال البيت استفظع هذا النمط من الحوار….
اتذكر انني كنت بجواره مباشرة وكان يجالسني الدكتور مصطفى الحمارنة كان في حينه مديرا لمركز الدراسات الاستراتيجية.. لن انس ضحكة الدكتور مصطفى المجلجلة على غير عادته حين وصله تساؤل سماحة السيد الخوئي على حين فجأة.. امال سماحة الشهيد عبد المجيد الخوئي رحمه الله رأسه (موشوشا أياي): اخ احمد.. الاخوة الاردنيين مقدرين النعمة ان الله اكرمهم بحكم ال البيت لهم؟..
فأجبته بمداعبة: سيدي زي ما انت شايف..
كان الدكتور الحمارنة منصتا للحوار بعمق مما دعاه ان يرسل ضحكة لم ازل استرجع صداها منذ بعد قرابة الثلاثين عاما !!
لقد ظل الاردنيون في نخبهم يميلون الى تبسيط العلاقة ورفع التكليف والوصول الى التشكيك احيانا في مجريات القرارات الوطنية!؟
لقد كان الصخب والتشكيك والتساؤل من البعض حول الانحياز للمسيرات وشجب اسقاطها فوق سمائنا يخلو من حكمة ورؤية في اعتقادي ونحن لازم نتدرب احتمال بعضنا البعض دونما تشنج.. فهذه المسيرات ليست هي اول من اذن في الناس للحد من غلواء الصهاينة وفي ذلك مفارقة ان من حاول دك الكيان الصهيوني قد دقت عنقه بتحالف امريكي ايراني وبجدلة للمشنقة ذات الـ ٣٩ لفة عدد الصواريخ المقذوفة ويحكى أن الجدلة هذه تم غزلها في إحدى المدن الايرانية وجاء بها نوري المالكي في سيارته الخاصة…
اذن فالتسيير الايراني لا يستند على تاريخ يبرر لنا قبول براءة مسيراته.. كذلك فهذه المسيرات التي اغلقت اجواء الشرق الاوسط كله عدة ساعات حملت قصة واحدة (الفرجة باستعراض القوة البديلة لاسرائيل) وليست تدعيما لحالة عربية!!
والسؤال المباح هل تم اسقاط المسيرات فوق رؤوسنا نحن وحدنا فقط ام ان ذلك قد جرى فوق الاراضي العراقية والسورية!!
ثمة سؤال.. لماذا يقترح اصحاب نظرية عدم التدخل بالمسيرات لتكمل رحلتها السياحية صوب الكيان الاعوج!! وما الفائدة لنا في ذلك؟.. لا شيء، وما الفائدة لغزة في ذلك؟ لا شيء،
نحن دولة هويتها السياسية معلومة وليست لغزا ولا تجري دولتنا مناوراتها كما يفعل غيرنا تحت الطاولة.. نحن دولة وطنية المصالح وعربية التوجه وعالمية الدور وننتسب الى العالم الرأسمالي بدون تحفظ وعلاقتنا مع الامريكان رغم كل جنونهم واختلافاتنا معهم الا انهم مأمونون اكثر من جماعة المسيرات!!
نحن لا نختلف مع اهل المذهب على حب ال البيت لكنهم هم من يخطئ بحق ال البيت!! ويدعون انهم يلطمون ويبكون بحتمية عودتهم للحكم وهم بذلك يضحون من اجل الغالي والنفيس؟!
طيب آل البيت هاهم يحكمون وملء السمع والبصر لماذا كل هذا الضغط على مواطني دولتهم واحراجهم بالتهديد اجتياز الحدود مرة ومسيرات المخدرات مرة اخرى وارسال التهريب والمهربين مرة ثالثة.. أي أن التسيير الايراني ليس في ذاكرة الاردنيين بذات الدوافع التي ينظر لها البعض عندنا
ايران… دولة مهمة لكن الاردن دولة مهمة ايضا ودليلنا على ذلك ان ايران اقتحمت (سوريا وانتزعت روحها القومية) واختطفت لبنان وانتزعت منه روحه العابرة للدنيا والتقدمية، وعرجت على اليمن فافرغته من وحدته الوطنية وتقاسمت العراق مع الامريكان فوق الارض لها وتحت الارض لامريكا..
لكن ورغم كل جبروت ضغطها ظلت الاردن هي نقطة الاعتراض التاريخية للحيلولة دون اكتمال الهلال الى (بدر) وسيظل ما ظللنا (كالعرجون القديم)
من اعترض على التصدي للمسيرات الايرانية فهم الامر في نطاق وحدة الامة الاسلامية وهذا حقه لكن الاحق ان يرى الناس النصف الاخر من خد القمر.. نحن لا ندافع عن الكيان الصهيوني حين نسقط مسيرات ايران ومن يفتي بذلك اما ان يكون جاحدا او عميق الايمان بالدور الايراني وهذا حقه نحن بلد التنوع لكن لا تنوع في امر السيادة الكيان الصهيوني نحن لسنا معنيين بأمنه بل هناك صلاة الاضطرار الا يقربنا والا نقربه لكن هو من انتظر الهجمة الايرانية ونحن لا دخل لنا بصراعهما على الدور القادم…
من الاخر كما لا نسمح ان تتوغل (كلبة صهيونية) في اراضينا لن نقبل بدخول مهرب سوري او ايراني ضال الى وطننا، نحن بلد لدينا مشكلاتنا نعم لكن من دون غطرسة وطنية ولا استعلاء على احد فان الكيان الصهيوني الكاذب في توجهه لا يستطيع ان يجري انتخابات في هذه الظروف ولا اي بلد اخر سوانا من يستطيع ذلك في انجاز استحقاق دستوري في ميقاته وذلك تأشير للثبات والمكنة
ليست المسيرات الايرانية والتصدي لها عند البعض (سوى قلوب مليانة) والله انها ليست (رمانة)