لو انني وزيرا للتجارة لاصدرت اليوم شهادة تصنيف لمنتج اردني تحت اسم "خيار امرع".. وامرع قرية كركية تتبع لواء فقوع المطلة اراضيه على وادي الموجب..
ما دفعني لذلك هو الإعلان الجميل على وسائل التواصل الاجتماعي والمرفق به صورة المنتج ووصفه بالخيار البلدي الذي يمكن ان يقطف لمن يريد حسب التوصية.. وبسعر نصف دينار للكيلو الواحد.
الجديد في الإعلان ان الاردني لم يفقد الامل وانه لا يزال يحاول ويحاول التغلب على كل العقبات بكل الوسائل، ليست هذه المرة الوحيدة التي يستخدم فيها ابناء القرى الاردنية وأبناء لواء فقوع وسائل التواصل للاعلان عن منتجاتهم المحلية فهم يعلنون عن الفول الاخضر في مواسمه وعن العنب والتين وبيض الدجاج والفري والسمن البلدي والديوك..
في الاردن ستظل الحياة جميلة بلا ابراج وبلا احلام بالفيزا والإقامة المميزة فهناك امطار شتاء وينابيع وسدود وارض مباركة وخصبة تحتاج الى سواعد وعزيمة وقلوب، وهناك طيبة مفرطة في الكرك والكورة ومادبا والضليل كتلك التي وجدت في منبج وغزة وحطين وعمواس.
في عام ٢٠٠٦ وحين كنت في الخدمة العامة اقمنا اجتماعا لكافة بلدات وجمعيات ومنظمات محافظة الكرك في بلدة فقوع وقد حضر الاجتماع ٣٦٠ شخصا يمثلون الكرك من وادي الحسا الى وادي الموجب ومن القطرانة الى غور الصافي.. اصطحبنا الى ذلك اللقاء اكثر من ٢٠ صحفيا إضافة إلى التلفزيون الاردني والاذاعة الاردنية وقد استمر اجتماعنا الذي بحثنا فيه شؤون الكرك ٧ ساعات خرجنا بتقرير تفصيلي حول كل ما تحتاجه الكرك وكل ما يمكن ان يعمل من اجل نهضتها.
في ذات اليوم اعد طعام الفرق التقشفي في مطابخ القرية الإنتاجية، في اليوم التالي كتب احد الصحفيين مقالا تحت عنوان "على جناح الطير لابعث سلامي".. في ذلك المقال أراد الصديق مداعبتنا بلطف ولومنا بأننا لم نقدم مناسف كما يحدث في الاجتماعات الحكومية انذاك، قبلنا دعابة الزميل وشرحنا له ان الغاية التواصل والتفاعل مع المجتمعات الاردنية المحلية وليست عرض قدرتنا على إقامة الولائم.
لقد تركت الجلسات الحكومية الاهلية التي أقيمت تحت عنوان "التواصل والتنمية والاعلام" أثرا في نفسي وحفرت عميقا في ذاكرتي وذاكرة زملائي الذين يذكرونني بتلك الأيام.. لم نقم ورشاتنا في قصبات المحافظة الرئيسية بل اخترنا فقوع في الكرك والضليل في الزرقاء ودير الكهف في المفرق وبرما في جرش واذرح في معان والسلع في الطفيلة والرمثا في اربد والفيصلية في مادبا وعيرة ويرقة في البلقاء كبلدات مضيفة لاجتماعاتنا التي شارك فيها ما يزيد على ٣٠٠٠ من قيادات ورواد العمل والاحزاب في هذه المجتمعات.
وفي كل اجتماع كنا نناقش الشؤون السياسية ووضع الاحزاب والجمعيات ونستعرض الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والشبابية والنسوية ونستمع الى ما يقوله الناس عن واقعهم وهمومهم وتطلعاتهم ونحمل مقترحاتهم الى مجلس الوزراء ودوائر الدولة الأخرى.
لغايات التحضير لهذا البرنامج الطموح امضيت اكثر من امسية في المركز الجغرافي الملكي بصحبة الزميل حينها الاستاذ عامر الجعافرة الذي كان مديرا لإدارة تكنولوجيا المعلومات في التنمية السياسية لاشرح للأخوة في المركز الجغرافي عن طبيعة الخرائط التي نود ان ينتجوها لنا.
كانت الخرائط التي أنزلنا عليها البيانات تقول لنا عن خصائص كل محافظة ولواء وقضاء وقرية في الاردن.. وكنا نعرف المساحات المزروعة والصالحة للزراعة في كل بلدة، وكنا لا نذهب إلى اجتماع الا ونحن على أتم الاستعداد للتحاور والتوعية والتعريف.
اليوم تعود بي الذاكرة الى امرع وفقوع والخيار البلدي كما كنت اتحدث عن البربيطة والمياه المعدنية والجوافا واتذكر بندورة العينا وسيل الحسا في ستينيات القرن الماضي.
الاردن بحاجة الى استنهاض بطرق وأساليب مقنعة يقوم عليها شباب يعرفون بلدهم جيدا اكثر مما يعرفوا ما يريده الامريكيون واصدقاءهم، نحن بحاجة الى ثقة اكبر في الاجهزة المحلية وتطوير لمفهوم الخدمة العامة بعيدا عن الموافقات والاذونات والمراجعات القاتلة للهمة.
كلما ارى اعلان عن وجود رحلة لسيارة تبحث عن راكبين ومتجهة من عمان الى الكرك او الطفيلة وبالعكس اعرف اننا نحاول وسنبقى نحاول ويزداد إعجابي بالإعلان وصاحبه.