في الاردن يصعب ان تجد سياسيا او شخصا عمل في الشأن العام و لا يوجد له خصوم . الاستثناء الوحيد الذي اعرفه لهذه القاعدة كان معالي المهندس المرحوم علي السحيمات .

لقد كان هذا الشاب الكركي احد اكثر رجال العمل العام تجانسا وتقديرا ومحبة بين من رافقه في العمل او تابعه وهو يتنقل بين المواقع العامة وزيرا وامينا عاما ومديرا وعضوا في العديد من المجالس العليا وامينا للعاصمة في اكثر الاوقات شدة واكتظاظا....

لقد حافظ ابو معن وطوال الأعوام الممتدة من تخرجه من الجامعة الامريكية ببيروت عام ١٩٦٠ وحتى رحيله في ربيع ٢٠٢٤ على هدوء ورزانة وسماحة يصعب ان تجدها وسط صخب العمل في مواقع تتجاذبها الشللية والاتهامات والمكائد.

بخطوات هادئة وموزونة تنقل المرحوم بين القطاعين العام والخاص وتولى تخطيط وانفاذ عددا من المشاريع الكبرى في الاقليم .لقد بدأ المرحوم السحيمات رحلة العمل العام مهندسا في الاشغال العامة ومديرا ثم امينا عاما لوزارة النقل فوزيرا لعدة وزارات في الحقبة الممتدة من ١٩٧٩ الى ١٩٩١ قبل ان يتم اختياره ليكون عمدة لعمان وسط ازمة العائدين الى البلاد في اعقاب دخول العراق للكويت .

في الكرك والاردن وبين كل الذين عرفوا المهندس السحيمات بقيت الصورة التي حملها عنه الجميع كما هي لم تتبدل مع تبدل الأيام فقد اجمع الكل على انه رجل بهي الطلة سمح المعشر وخفيف الظل واسع الاحترام وبالغ التأثير .

في الربع الاخير من القرن الماضي كان اسم علي السحيمات حاضرا على ساحة العمل السياسي والاجتماعي وفي الاوساط الاهلية وقد تميز ابو معن برشاقة واناقة المظهر والفكر فلم يكن اقليميا ولا متزمتا ولم يؤخذ عليه انه كان منحازا الى جماعة او مفتونا بفكرة او مناهضا لاتجاه الامر الذي جعله قريبا وعلى مسافة معقولة من الجميع.

في السنوات التي تلت انسحابه او ابتعاده عن الشأن العام ظل علي السحيمات حاضرا بلا شغب او وشوشة كالتي تسري في عروق قدامى المسؤولين ففي المرات القليلة التي صادفته فيها أحسست بهدوء واتزان وونس ابو معن وشكرت الله على ان في بلادنا رجال لهم مثل هذا الثقل والاستقلالية والاتزان ...بكلمات قليلة وايماءات محدودة تستطيع التعرف على غنى شخصية السحيمات فكل ذلك يرشح عبر صوته الهاديء وصمته الواعي ومشيته التي توحي بانه لا يثقل على الارض.

الرحمة لروح ابو معن والعزاء لابناءه واسرته وللكرك والاردن ولنا ولكل من عرف الرجل واحبه.