عند لقاء أي مسؤول ألماني، يتكشف أن الألمان مسكونون بما اقترفه هتلر والحكم النازي باليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وهنا يتحول الألمان إلى أسرى الهولوكوست الأمر الذي يمنعهم من مجرد التفكير بممارسة ضغط على تل أبيب. فألمانيا- كما يقول الألمان- لا يمكن لها مجرد التفكير بممارسة أي شكل من أشكال الضغط لدفع إسرائيل للاستجابة للمتغيرات حتى وإن كان ذلك يخدمها، فالقضية تتعلق بعقدة الذنب أكثر من أي شيء آخر.
في الأمس التقيت بباحث ألماني أنهى كتابا عن الموضوع وتكلم بصراحة حول التحولات التي تجري بألمانيا تجاه إسرائيل، ويقول أن موقف الحكومات المتعاقبة لا يعكس الرأي العام الألماني، فالألمان بشكل عام لهم موقف نقدي من سياسة إسرائيل التي تعارض أي حل سلمي للمشكلة الفلسطينية. ولا يرى الكثير من الألمان أن نقد سياسة إسرائيل يصب في سياق معاداة السامية، وهو السلاح الذي تستخدمه إسرائيل لإخراس الأوروبيين ومنعهم من نقد سياسات إسرائيل التوسعية.
في اللقاء الأخير بين نتنياهو والمستشارة الألمانية ميركل، وضحت الأخيرة أن بلدها بصدد إعادة النظر في كثير من مواقفها، وهو أمر أقلق الإسرائيليين كثيرا لدرجة أن الصحف الإسرائيلية كانت تعج بالمقالات التي تتحدث عن تعميق عزلة إسرائيل الدولية والتي تحذر من انضمام ألمانيا لكل من فرنسا وبريطانيا اللتان تحاولان وضع خطة سلام أو على الأقل وضع خطوط عريضة بدلا من انتظار الولايات المتحدة إلى ما لا نهاية. وبالفعل تم التركيز مؤخرا على نشاط أحد المؤسسات الألمانية في القدس الشرقية التي يتهمها الإسرائيليين بأنها تساند الفلسطينيين على حساب إسرائيل.
الموقف الألماني الجديد مهم ويأتي في سياق فهم ألماني جديد للشرق الأوسط بعد التغيرات التي عصفت بالإقليم في الأشهر الأخيرة، فلا يمكن لبرلين أن تستمر في لعبة الاختباء خلف جرائم هتلر في الحرب العالمية الثانية التي طالت ليس فقط اليهود. وربما تشعر ألمانيا بأنها في موقف يسهل من قيادتها لأوروبا في المرحلة المقبلة وبخاصة وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن عن بداية حملته لإعادة الانتخاب.
قبل سنة كنت ضمن وفد إعلامي عربي في ألمانيا، وكانت كل اللقاءات مع الألمان تشير بأن البوصلة الألمانية كانت باتجاه تل أبيب، الآن يحدث تغير نوعي وعلى العرب استثماره بشكل جيد، فألمانيا دولة مهمة وتمتلك من أدوات الضغط ما يضعها في موقف مثالي لمساعدة العرب في مساعيهم المعتدلة.
hbarari@gmail.com
الرأي