إلغاء الانتخابات والإجابة على الأسئلة البسيطة
ياسر ابوهلاله
04-08-2007 03:00 AM
ما حصل في الانتخابات البلدية غير مسبوق وغير مقبول ولا يمكن التعامل مع مخرجاته . وكان الأكرم للناس وللحكومة ألا تجرى انتخابات ابتداء وتواصل الحكومة مسؤوليتها من خلال تعيين اللجان . وبعد ما حصل الأفضل محاسبة المسؤول عن الفضيحة التي جرت وإلغاء ما نتج عنها . ليست " صورة " البلد التي اهتزت من خلال الإعلام " المغرض والمعادي الذي يسعى لتشويه المنجزات .." الذي اهتز حقيقة هو قناعة قطاعات واسعة بالدولة بكل ما تمثله . فهي لم تعد وسيطا نزيها بين الناس بل طرفا منحازا بفظاظة لفئة دون أخرى . لا أتحدث عن الإسلاميين فهؤلاء قناعاتهم مهتزة منذ أمد بعيد , ولكن أتحدث عن البسطاء والعاديين الذين لا علاقة لهم بالعمل السياسي المنظم .
ما حصل في البارحة في إربد يستدعي أن تستفز كل عقول الدولة والمجتمع لتحليله ، تكرار مصغر لما حدث في معان عام 1989 ، فالغاضبون أحرقوا مدرسة عين جالوت وهدموا سورها الخارجي . والأمن دخل بمواجهات معهم طاولت بيوتهم . لماذا لم يحصل هذا في الانتخابات الكثيرة السابقة والتي كان فيها خاسرون وناجحون ؟
شاهدت بعيني حجم الغضب في نفوس الناس العاديين والبسطاء صغارا أحداثا وشبابا وكهولا ، هذا الغضب لا يخص أربد . فطالما أنه حدث انحياز لطرف ما في مكان ما فكل خاسر في الانتخابات سيقول أنه خسر بسبب انحياز الدولة لمنافسه . طبعا المستفيد الأول من كل هذا الغضب هو حزب جبهة العمل الإسلامي . وعلى الحكومة أن تدرس تحولات الشارع نحوه .
حتى يجري استطلاع علمي يكشف حجم الجائزة التي تلقاها حزب جبهة العمل الإسلامي أنقل عن الصديق الكاتب فهد الخيطان ، وهو مثقف يساري من عائلة مسيحية ، بحسب بعض أقاربه في مادبا فأنهم كانوا سيصوتون لمرشح جيهة العمل الإسلامي وبعد ما حصل زادت قناعتهم به , وقد سمعت مثل هذا الكلام من كثيرين ليس بينهم وبين الإسلاميين علاقة .
إذا كان التحليل الحكومي يربط بين انتخابات ثلاثة بلديات وما جرى في غزة قبل شهرين وما شهدته الجزائر قبل نحو عقدين وما ستشهده المنطقة بعد الحرب على إيران والحملة الباكستانية على مناطق القبائل وتفجيرات بالي من قبل ، وغير ذلك من معطيات قد تخفى على الصحفيين والمواطنين البسطاء فالأولى كان أن تؤجل الانتخابات لحين نضوج الظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي تسمح بتوجه المواطن الأردني لصندوق الاقتراع . فحكومة علي أبو الراغب عطلت السلطة التشريعية ، وليس البلدية ، عامين بدعوى " الظروف القاهرة "، ولم تخرج مظاهرة لا في البارحة ولا في عبدون ، والكون والبلاد اليوم في ظروف أكثر قهرا تسمح بتخفيف دوران عجلة الإصلاح السريعة .
بصراحة أكثر ، سمعت وعدد من الزملاء الصحفيين من رئيس الوزراء معروف البخيت قبل الانتخابات كلاما كتبت أثره مؤيدا لتصويت العسكريين . لكن ما شاهدته في " القرايا " غير ما سمعت في " السرايا " . ومما قاله يومها أن كل القرارات تصدر من مكتبه ولا يوجد جهات أخرى تقرر بالنيابة عن الحكومة ، كتبت يومها "فإن الحق القانوني للعسكري بالتصويت لا يجوز لأي جهة حرمانه منه إلا بقانون آخر يمنع العسكري من الانتخاب. وتصويت العسكريين، بحسب التفسير الحكومي، لن يكون من خلال وحداتهم العسكرية بل بحسب أماكن سكنهم، وفي هذه الحال تزول المخاوف من عدم تمكن كل المرشحين من ممارسة الدعاية الانتخابية وتعذر الرقابة على الانتخابات داخل وحدات عسكرية.
والواقع أن العسكر جزء من مجتمعاتهم المحلية ومن حقهم أن يشاركوا في خطوة لمحاربة حزب السلبية (الأكثرية الصامتة) الذي يتوقع أن يكتسح الانتخابات. باستثناء محاربة هذا الحزب لا يجوز الزج بالجيش في مواجهة أي طرف سياسي ومحاباة آخر. فالجيش في أعرق الديمقراطيات هو مؤسسة إجماع وطني لا تقبل التعدد أو القسمة أو الاختلاف، ودوره الحاسم هو حماية التعدد والديمقراطية والدستور. " ما حصل العكس تماما فهل كان القرار من مكتب الرئيس أم من خارجه ؟ أن كانت الأولى فتلك مصيبة وإن كانت الثانية فالمصيبة أعظم .
ليس مطلوبا من الرئيس أن يتابع المؤتمرات الصحفية للمعارضة ، ولا مقالات الكتاب والمحللين ، لو كنت مكانه لذهبت لمضافات العشائر في أربد ومأدبا وغيرهما ، فتلك المضافات هي البقية الباقية من " المجتمع المدني " الذي دمرته الحكومات المتعاقبة . ومن المهم أن يسمع لما في صدور الناس حتى لا يتحول غضبهم باتجاهات مدمرة . وهذا ما لا يريده الموالون ولا المعارضون .
ليس صحيحا أن الإخوان قد قرروا الانسحاب مسبقا . وكنت قد تحاورت مطولا مع المراقب العام للإخوان المسلمين سالم الفلاحات مطولا قبل الانتخابات وتحدث عن آخر لقاء مع رئيس الوزراء بتعاطف مع خلافه الشديد معه موضحا أن " ألمه حقيقي " من مواقفنا ضد حكومته . وأكثر ما ساء الفلاحات في اللقاء تلميح رئيس الوزراء إلى علاقة الإسلاميين بالسفارة الأميركية ! مع أن الحكومة تعرف قبل غيرها أن السفراء الأميركيين طلبوا أكثر من مرة لقاء قيادات الإسلاميين ورفض طلبهم . محصلة الحوار أن الإسلاميين سيدرسون كل الخيارات مع المراهنة على المشاركة .
لو سارت الأمور بشكل معقول لما انسحب الإسلاميون ، ، وفي يوم الانتخابات كنت أتباع القرار ثانية بثانية إلى أن اتخذ . وقرار الانسحاب اتخذ يوم الانتخابات هذه هي الحقيقة. أما القول بأن قرار الانسحاب مبيت فهو هروب من المشكلة التي لا تخص الإسلاميين وحدهم . لتواجه الحكومة المشكلة بشجاعة ، ولتعترف بما حصل على الأقل ،ولتجب على سؤال بسيط لماذا يقدم مواطن على هدم حجر في مدرسة ؟