التغيير حتمي رغم فرملة الايقاع
راكان المجالي
11-04-2011 03:23 AM
لا احد يستطيع الادعاء بانه تنبأ او توقع او امتلك رؤية بشأن الاحداث التي عصفت بأنظمة عربية والتي بدأت بتونس مرورا بمصر وليبيا واليمن وصولا الى كافة المجتمعات العربية بشكل او باخر وبنسبة او باخرى، بحيث لم يعد هنالك نظام حكم لم يعد يتوجس خيفة من ان ثورة المواطنة والحرية والكرامة لن تمتد اليه.
بشكل عام كما يقول زميلنا رفيق خوري فان ما سقط هو الرهان على الاستقرار كقاعدة ثابتة لا تتزحزح لضمان استمرار الانظمة لكن الشعوب لديها قراءة اخرى وهي ان هذا الاستقرار يعني الجمود او الستاتيكو حسب تعبير علم السياسة، والستايتكو الوحيد النهائي موجود فقط في المقابر اما طبيعة الحياة فهي التحرك والتغيير، وفي الوطن العربي تتشارك المجتمعات العربية بظروف متطابقة وبنية اجتماعية واحدة ولذلك تواجه الانظمة نفس التحديات في مواجهة مرارة الشعوب التي تشعر ابتداء انها اهينت وخدعت وتحملت الكثير حتى بلغ السيل الزبى وهي تريد ان تؤسس لحياة جديدة يكون للانسان فيها اعتبار ودور من خلال حقه في المشاركة في رسم مصيره الوطني وهو ما يترتب عليه انكشاف الانظمة العربية وبروز مشاكلها الكثيرة كما يقول زميلنا الاستاذ خوري فليس أكبر من مشاكل بعض الأنظمة العربية سوى العجز عن حلها وتعاظم العوامل التي تدفع الشعوب الساخطة الى الانتفاضات. ولعل قمة ما تواجهه الأنظمة هي مشكلة الشرعية. فلا بعضها يعترف بفقدان الشرعية الشعبية. ولا بعضها الآخر يعرف كيف يجدد ما كان له من شرعية. وهي تتصرف على أساس أن الاصلاح السياسي مغامرة خطرة، في حين صار (الستاتيكو) هو المغامرة الخطرة. فعلى مدى عقود عاشت الأنظمة على ربط الاستقرار باستمرار (الستاتيكو). لكن (الستاتيكو) صار نقيض الاستقرار والدافع الى الانتفاضات. ولم يبقَ أمام الأنظمة في زمن التحولات الكبيرة سوى واحد من خيارين: إما المزيد من القمع من أجل البقاء بلا ضمان من السقوط، وإما التسليم بأن التغيير هو الذي يأتي بالاستقرار ويضمن الاستمرار.
ذلك أن ما يشهده العالم العربي له أسباب أعمق من الدور المبالغ فيه لوسائل الاتصال. لكن ما حققته ثورة الاتصالات انها جعلت (الفهم معقداً جداً) لعمل السلطة، كما يقول البروفسور في جامعة هارفارد جوزف ناي في كتاب جديد عنوانه (مستقبل السلطة). فهو يرى أن (المصادر التي تتيح السلطة) تغيرت في القرن الحادي والعشرين. ففي الماضي كانت (الجيوش).
والآن (من لديه قصة أفضل). فضلاً عن أنه يميز بين (انتقال السلطة) وبين (انتشار السلطة) الذي هو (السمة الحديثة).
وحجر الأساس في بنية الأنظمة العربية هو رفض انتقال السلطة سلمياً، واستخدام القوة لرفض انتقالها. فما حققته الثورة في كل من تونس ومصر هو انتقال السلطة. والباقي الصعب هو تأمين المشاركة في السلطة عبر الديمقراطية، وما يحدث في ليبيا واليمن هو رفض انتقال السلطة، فالقذافي يقتل ويقصف عسكريا، ويناور سياسيا بعروض تبقيه في السلطة شخصيا او عبر نجله سيف الاسلام وعلي عبدالله صالح يطلق الرصاص على المتظاهرين المعتصمين، ويناور بالعروض السياسية والدعوة الى وساطة دول الخليج ليستمر في السلطة، اما المجتمع الدولي الذي يقذف ويقصف جوا قوات القذافي بتردد ويكتفي بالنصائح لعلي عبدالله صالح فانه يربط انتقال السلطة بالاطمئنان سلفا للمشاركة الشعبية والديمقراطية، فالتباطؤ في القصف في ليبيا برغم اصراره على رحيل القذافي، هو لفحص نوعية الثوار وقدرتهم على تمثيل الشعب وضمان المصالح الدولية، والتأخير الامريكي في الانتقال من التمسك بعلي عبدالله صالح الى المطالبة برحيله هو لضمان البديل الذي يؤمن كل ما كان يفعله نظام صالح في الحرب على الارهاب وامور اخرى تتعلق بامن الخليج وهنالك حسابات ومصالح تفرمل الاستعجال في تغيير انظمة ستواجه المصير الحتمي.
(الدستور)