في كتابه " فرصتنا الاخيرة " يقول جلالة الملك عبدالله الثاني انه في عام 1999جمع فريقا من المستشارين ضم د. باسم عوض الله وسمير الرفاعي ومصرفيا سابقا, وطلب منهم اقتراح افكار جريئة تحديثية لتحفيز الاقتصاد و"وضع خطة حول ما علينا ان نفعله ", وعاد الفريق بسلة اقتراحات كانت واردة في برنامج صندوق النقد الدولي " الخصخصة, وقف الدعم, تخفيض العبء عن الدولة, ازالة العوائق الجمركية, وتشجيع الصناعة".
وقد بنيت كافة الخطط والبرامج الاقتصادية طيلة السنوات العشر الماضية على ما اقترحه المستشارون الثلاثة, فكانت الخصخصة المنفلتة التي جرّت على الدولة والاردنيين الكثير من الماسي التي نعيشها اليوم, وفي مقدمتها بيع المؤسسات والشركات الوطنية الرابحة "بتراب المصاري" مما افقد الدولة جزءا هاما من مداخيلها الثابتة "الاسمنت, الفوسفات,البوتاس, الاتصالات, ميناء العقبة, الكهرباء, الملكية الاردنية, اراضي الخزينة.. الخ".
وتبع ذلك انفراد التيار "الليبرالي- الاصلاحي" الجديد في الكثير من مفاصل الدولة مما ادى الى بروز ظاهرة ادماج البزنس في العمل السياسي وانفلات العجز في الموازنة العامة اعتبارا من عام 2005 في متوالية هندسية اوصلتنا الى عجز يفوق المليار دينار ومديونية تزيد عن 12 مليارا.
وما يجري اليوم من غضب واحتجاجات في الشوارع على الاوضاع المعيشية المتردية للاردنيين هو نتاج حقيقي للسياسات الاقتصادية الخاطئة والعشوائية التي جلبت الدمار على الدولة وادت الى تراجع ثقة الناس بها بعد ان افرغت جيوبها من مصادر الدخل التقليدية وعادت تمد يدها الى جيوب رعاياها.
إن الاحداث والتطورات في العالم والاقليم اثبتت ان النهج الاقتصادي القائم على الخصخصة غير المنضبطة وغير المبنية على المصالح الوطنية والعداء المطلق للقطاع العام, فيه ضرر كبير على المجتمع اضافة الى ان التجارب العالمية بينت عقم الاستغناء عن الدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة ورقابتها على الاسواق والشركات والبنوك.
فالخطأ الاساسي الذي وقع فيه الفريق الاقتصادي الحكومي في عدة حكومات انه سعى الى إلغاء القيود على التجارة والعمليات الاقتصادية واطلق يد رجال البزنس في المال العام ولقمة عيش المواطن بدل ان يسعى الى اعادة تنظيم النشاط الاقتصادي عموما, فدخلنا في حكومات تديرها الشركات لصالح الشركات.
اليوم تتجه كل الانظار من جلالة الملك الى الحكومات ومجالس النواب والاحزاب والنقابات ووسائل الاعلام الى اصلاح ما افسده تخطيط التيار الليبرالي المنفلت من كل رقابة, والاصلاح الذي لم يعرفه "الاصلاحيون الجدد" هو الاصلاح السياسي لانهم ركزوا على الجانب الاقتصادي دون السياسي مما اصابنا بالعرج, لان المطلوب رؤية متكاملة جناحها الاول التنمية الاقتصادية وجناحها الثاني الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية, فالفقر ليس مشكلة اقتصادية فقط بل ايضا لها وجه سياسي.
nghishano@yahoo.com
(العرب اليوم)