ليست الحرب على غزة إلا فوهة البركان في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت تراكمات لاحتقانات طائفية وسياسية واقتصادية خاصة بعد الحرب على العراق في العام 2003 وما تبعها من توسع للنفوذ الإيراني في معظم بلاد الشام - باستثناء الأردن بحكم قوة سياسته الخارجية وتحالفاته الدولية ومنظومته العسكرية والأمنية عالية الاحترافية والجاهزية – ولقد كان لخيبات الأمل التي تعرضت لها شعوب المنطقة العربية بعد الابتعاد عن المسار الفعلي لحل الدولتين أكبر الأثر في توسع النفوذ الإيراني وتنامي الاحتقان الطائفي في المنطقة، وهذا بالتحديد ما حذر منه جلالة الملك عبدالله الثاني مرارا وتكرارا في العديد من المحافل الدولية منذ زمن بنظرة استباقية لما يحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط ككل.
أعتقد أن المواطن العربي الشرق أوسطي المهتم بالحفاظ على أمن المنطقة – أو على ما تبقى منه – ملزم بالنظر إلى المشهد العام بمنطقية وتجرد بعيدا عن المشاهد التفصيلية التي لطالما استخدمها البعض لتشتيت الانتباه عن المشهد العام الأهم والبالغ الخطورة، وهو أن المنطقة باختصار تشهد صراعا محتدما على مناطق النفوذ الجيوسياسي على حساب المكون العربي تستخدم فيه الطائفية وتوظف خيبات الأمل المتراكمة لدى الشعوب العربية لخدمة المطامع التوسعية والإضرار بسمعة وموقف كل من يقف عائقا أمام هذه المطامع.
الأردن ومصر بحكم الموقع الجيوسياسي الذي فرض عليهما تشكيل الواجهة العربية الحقيقية في الصراع العربي الإسرائيلي من أكثر المتضررين من تبعات الأحداث الأخيرة، وعلى الرغم من الضرر الكبير إلا أنهما أكبر الداعمين للموقف العربي في الصراع الشرق أوسطي منذ البداية، ولأن مواقفهما هي الأكثر دعما وتمثيلا لموقف الأمة العربية الحقيقي ومصالحها بعيدا عن التعنت الهدام الذي لا يخدم إلا مصالح أعداء الأمة والمتربصين بها فهما الأكثر تعرضا لهجمات التشويه والتضليل الممنهجة والممولة والمدعومة من أطراف الصراع غير العربية.
أعتقد أن سيناريوهات الصراع على النفوذ بأمديه القصير والبعيد قد تفضي إلى عواقب وخيمة في ما يتعلق بالمكون العربي في منطقة الشرق الأوسط، ولن يكون أحد بمنأى عن آثارها إلا إذا كان العمل العربي منسق وموحد وعقلاني ومنطقي والذي يمثله على الأرض بقوة الموقف الأردني والمصري، ولا مجال حاليا للمخاطرة بمصائر الضفة الغربية وجنوب لبنان مقابل القليل من الشعبوية التي لا تخدم إلا مصالح مرتاديها، وإن دعم الأردن واستقراره ودعم مصر واستقرارها دعما حقيقيا طويل الأمد لتعدي كل العقبات وعلى رأسها الاقتصادية يعد حاليا مسألة أمن قومي للمكون العربي بشكل عام وعامل أساسي لضمان الاستقرار والازدهار لا يمكن من دونه الحفاظ على مصالح المكون العربي في المنطقة.
يظهر التاريخ السياسي الحديث للمنطقة أن النهج الانفرادي للدول العربية في التعامل مع الأمن القومي بشكل منعزل لا يعمل ولا يجلب إلا المزيد من الخسائر والتنازلات لأن أمن كل دولة عربية مرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي ككل شاءت ذلك أم أبت، ومن هنا أعتقد أن الدعم الحقيقي المتواصل السياسي والاقتصادي لدول الواجهة يجب أن يعود كما كان إذا ما أردنا الاستمرار باتجاه حل يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة على ترابها الوطني في إطار حل الدولتين وحقن دماء الشعب الفلسطيني بالخصوص والمكون العربي بشكل عام في المنطقة.
واجبنا الوطني والقومي كمواطنين أردنيين تعزيز استقرار الأردن وأمنه في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأنه الضامن الوحيد لأمننا والممثل الحقيقي لمصالح المكون العربي في المنطقة ولأنه صوت الحق والاعتدال والوسطية في محيط يعج بالفوضى، ولأن ما يقدمه من حلول وتصورات للحل النهائي هو الطريق الوحيد نحو السلام وازدهار المنطقة ككل، وإلا فالبديل طائفية وحروب وصراعات وفوضى طويلة الأمد لا تخدم إلا أطماع أعداء الأمة.