حراك الجامعات الامريكية والذي التحقت به الجامعات الاوروبية والكندية والاسترالية ثم بعض الجامعات العربية والاسلامية لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة اسهام الصور البشعة المتدفقة من غزة عبر وسائط التواصل الاجتماعي والتي اخفتها وسائل الاعلام الرسمية عن شعوبها بعدما تبنت بصفاقة وجهة النظر الاسرائيلية بالكامل مخفية معاناة الفلسطينيين في غزة، بل وحقيقة انهم شعب تحت الاحتلال، محولة مقاومتهم الى ارهاب.
ولكن هذه الصور التي حملت جزءا يسيرا لا يكاد يذكر من المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبها الكيان المحتل في غزة لم تكن وحدها السبب في يقظة الشباب حول العالم وتنبههم الى حرب الإبادة في غزة وحجم المعاناة الهائل الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ اكثر من مائة عام من الزمن، بل إن تأثير مؤثرين لهم وزن ولهم أتباع بالملايين حول العالم وينطقون بلغات عدة وعلى رأسها اللغة الانجليزية كان له دور لا يقل أهمية عن دور جرائم اسرائيل في ايقاظ ضمير العالم وتنبيه الشباب الرافضين للظلم والهيمنة والباحثين عن قيم العدالة والحرية والذين تضعهم مرحلتهم النمائية في خانة التمرد على السلطة، خاصة وان كانت سلطة ظالمة، كما تضعهم في خانة الرغبة في تغيير الكون وجعله اكثر عدالة.
من بين هؤلاء المؤثرين أشخاص حظيت مقابلاتهم بمئات الملايين من المتابعات كباسم يوسف الذي لعب دورا هاما في نشر الوعي في كل أقطار العالم الناطقة بالانجليزية، ومجموعة اخرى من المؤثرين من جنسيات مختلفة اتراكا واوروبيين وامريكيين، ولولا ما لهم من وزن على مواقع التواصل الاجتماعي لربما أفلتت اسرائيل بجرائمها المروعة شأنها دائما بعد كل حرب تشنها على الفلسطينيين، ولذهب الدم الفلسطيني أدراج الرياح، ولكن ارادة رب العالمين شاءت ان يسخر وسائل التواصل الاجتماعي تلك الاداة المعولمة لخدمة القضية الاكثر عدالة في التاريخ، كما شاء ان تتحرك اقطار كجنوب افريقيا وناميبيا وكولومبيا ( في غياب الفعل العربي والاسلامي المؤثر) لتحرك شكاوى امام محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية لتصدر احكام قضائية لم يتخيل احد ان تصدر بشأن الاحتلال وقادته.
ضمن سياق المؤثرين في الرأي العام العالمي ، شاهدت صباح اليوم مقابلة للملكة رانيا العبد الله على قناة MSNBC مع الاعلامية جوي ريد في برنامجها (The Reidout) اجريت بتاريخ الثاني من مايو ايار 2024 ، وكان محورها العدوان الاسرائيلي على غزة.
ببساطة وصدق وطلاقة، وبلغة انجليزية سلسة ومعبرة، شرحت الملكة رانيا العبد الله معاناة الشعب الفلسطيني طيلة سنوات الاحتلال، تلك المعاناة التي غض العالم بصره عنها متبنيا الدعاية الاسرائيلية التي لطالما صورت اسرائيل كضحية والفلسطينيين كإرهابيين، وعرضت كل أوجه تلك المعاناة بدءا من مصادرة الاراضي وهدم البيوت وبناء المستوطنات والتهويد والغاء الهوية ونقاط التفتيش والحواجز والرقابة الامنية والاذلال، وصولا الى الاطفال الذين يختطفون من احضان امهاتهم ليلا ويحاكمون عسكريا ومعاناة الاسرى في السجون الذين يعاملون بشكل لا انساني، وصولا الى جرائم الحرب وجرائم الابادة في غزة.
وردا على ان الملك الحسين قد ابرم معاهدة سلام مع الاسرائيليين، كشفت الملكة في المقابلة ان الملك الراحل ورابين كان لديهما رؤية من اجل السلام، ولكن الواقع الان مختلف، فقد انحرف المجتمع الاسرائيلي وسياسيوه الى اليمين الاصولي واليمين المتطرف وانقرض اليسار وتبخرت جماعات السلام، مفندة الاكاذيب الاسرائيلية التي لطالما صورت الكيان الغاصب باعتباره الضحية والفلسطينيين المقاومين باعتبارهم الارهابيين الذين يهددون اليهود ودولتهم الديمقراطية، مستغلين عقدة الذنب الاوروبية والامريكية تجاههم.
المقابلة مهمة وهي حلقة من حلقات التأثير في الرأي العام الغربي الناطق بالانجليزية، وهو دور نثمنه لملكة الاردن التي وضعت الكثير من النقاط على الحروف غير عابئة بهجمات اللوبي الصهيوني والذباب الالكتروني عليها في اعقاب كل مقابلة تظهر فيها وتنتقد السلوك الهمجي للكيان الغاصب.
الإنسان، اي إنسان، ليس خيرا كله ولا شرا كله، وليس مطلوبا منا ان نتفق مع شخص في كل ما يفعل، ولا ان نختلف معه في كل ما يفعل، خصوصا ان كان هذا الشخص سياسيا أو مؤثرا، ولكن، حين يقدم اي منا على فعل حسن يستحق الثناء، علينا أن لا نبخل بهذا الثناء، فالكلمة الطيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
شكرا لكل المؤثرين الذين أوصلوا صوت غزة وصوت فلسطين الى العالم.