تكتسب زيارات الملك عبدالله الثاني عادة إلى أوروبا وأمريكا ودول العالم الفاعلة أهمية كبيرة، ولطالما تركت اثارا استثنائية وعميقة على القضايا العربية التي تشكل قضية فلسطين بؤرتها، ذلك أن الملك يتمتع بمصداقية عالية في العالم، لوضوح موقفه ولأنه يملك قناعة راسخة بوجوب حل القضية الفلسطينية على أسس عادلة للشعب الفلسطيني حتى تصل المنطقة إلى حالة الاستقرار والهدوء، وتخرج من دائرة الصدام والنار.
لكن زيارة الملك الحالية إلى واشنطن باعتقادي أنها تكتسب أهمية خاصة لأنها تأتي في سياقات مفصلية ومنعطفات خطيرة تعبرها المنطقة نتيجة الوضع المعقد الذي شكلته الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية ومحاولات الحكومة الإسرائيلية الجادة تطبيق برنامجها الذي شكلت هذه الحكومة على أساسه، والقاضي بإسقاط الحقوق الفلسطينية وعدم الاعتراف بها والعمل على تهجير الفلسطينيين من وطنهم سواء في الضفة الغربية أو غزة.
وتصدى الأردن بقيادة الملك لهذا البرنامج الاستيطاني والإقصائي منذ اليوم الأول لتشكيل هذه الحكومة ينبه إلى خطورة تصرفاتها وأفكارها بقيادة عتاولة المتطرفين الذين إن لم يردعوا دوليا سيجرون المنطقة إلى هوة الفوضى والصراع التي لا يمكن أن تخرج منها وتضع السلم العالمي كله بمواجهة الخطر.
عندما يكون الملك في واشنطن في هذه الأيام الصعبة يكون الحديث معه من قبل القيادات الأمريكية مختلف تماما عن الحديث مع الآخرين في المنطقة، نظرا لما أشرت له من اعتدال وصدق في الموقف الأردني ولعلاقة الأردن الملحمية مع فلسطين، وهنا أشير إلى أنه مهما حاولت أطراف عربية أو غير عربية الولوج إلى ملف القضية يظل هذا الملف في اللحظة الحرجة بيد الأردن الذي كان رأيه حاسما في كل مفاصل القضية على امتداد العقدين الماضيين، وهذا باعتقادي يشكل قناعة عند الدول الفاعلة على المستوى الدولي، ففلسطين بالنسبة للأردن حل قضيتها مصلحة أردنية وهذا العامل بالذات لا يشكل هما عند باقي الأطراف على مستوى حل القضية، ثم لارتباط الطرفين بعلاقة متداخلة على كل المستويات وإن حاولت بعض الجهات الفلسطينية في بعض المراحل الزمنية تجاوز الدور الأردني، إلا أنه سرعان ما اكتشفت أن هذه المحاولات لا يمكن لها أن تنجح، ولا يمكن للملف الفلسطيني إلا أن يكون الأردن حاضرا به بقوة، نظرا كما ذكرت من فعالية الأردن في هذه الملف، ولما يشكله الأردن من أهمية بالغة في حل الصراع لامتلاكه إمكانيات سياسية كبيرة على مستوى العالم.
منذ اليوم الأول للاعتداء الإسرائيلي على غزة والذي خلط الأوراق في المنطقة، والتحرك الملكي الأردني لم يهدأ، ولعب كما هو معروف ، دورا بارزا في تغيير مواقف دول كثيرة إزاء الحدث الكبير في غزة، وظل الأردن يضغط ويعمل بجهد لا ينقطع إلى أن وصلنا اليوم إلى رؤية هذا التحول الكبير رسميا وشعبيا في العالم لصالح حقوق الشعب الفلسطيني وضرورة ردع إسرائيل وإلزامها بالنزول عن الشجرة واعترافها بالحقوق الفلسطينية بعد أن وقف الاعتداء عليه.
حكومة نتنياهو ومن معه من الإرهابيين والمتطرفين والموسومين بذلك حتى في القانون الإسرائيلي، لا يخيفهم ولا يحسبون حساب إلا للتحرك الأردني، لأنهم يعلمون أن هذا التحرك دائما ما تكون له نتائج كبيرة على خريطة الصراع لصالح الحق الفلسطيني، والتوضيح للعالم أهمية هذا الحق في استقرار المنطقة الأمر الذي يترتب عليه تغيير في الموقف الدولي خصوصا أن العالم اكتشف في حرب غزة كم هو حجم المعيقات التي تضعها الحكومة الإسرائيلية في طريق أي حل يطرح وأن هذه الحكومة لا يوجد في عقلها الباطن والظاهر أي اعتبار لفكرة أن للشعب الفلسطيني حق في أرضه، وحق في الحياة والاستقلال، وإزاحة الاحتلال، الأمر الذي جعل إسرائيل عند الكثير من الداعمين لها عند الغرب تشكل عبئا كبيرا.
في المجمل زيارة الملك لواشنطن ولقائه مع قيادات الإدارة الأمريكية في مقدمتها الرئيس بايدن وربما لقائه مع قيادات الكونغرس لا شك أنها تأتي في ظل ظروف معقدة في المنطقة، وأن الإدارة الأمريكية رغم تواصلها مع جميع الأطراف في المنطقة إلا أنها تولي الرأي الأردني أهمية خاصة في تلبية الحاجة التي أصبحت ملحة في إنهاء الصراع في المنطقة على أسس يرضاها الجميع.