البالوع واشقيفات .. حكاية ماء وقمح شيحان (صور)
عبدالرحيم العرجان
05-05-2024 10:53 AM
شيحان التل العظيم المتربع بمنعة في شمال الكرك حكاية الرجولة والكرم تتفرع منه أودية كخطوط راحة اليد تصب في الموجب كبير الأودية الرافدة لبحيرة زقر.
عبق التاريخ المؤابي
وصلنا قمة التل من لواء القصر متجهين إلى بلدة الجدعا حيث اهتدى الرحالة هيد 1930م للمسلة التي خَلد بها الملك كمشيت ابن ميشع عند زيارة فرعون مصر تحتمس الثالث لمملكة مؤاب عام 1200 ق.م مصورة الملك وهو يتسلم الصولجان من الآلهة المصرية، وخلفه حاتور آلهة السماء والحب والجمال والأم لحمايتها وارضاعها لأيزيس والسعادة والموسيقى معبودة مصر الفرعونية العظيمة، نقشت بقياس 33 ب30 سم على إحدى حجارة البازلت الشيحانية المتناثرة بسبب عوامل الزمن والتقادم في المكان ، لتحفظ وتعرض اليوم في متحف الأردن الوطني في رأس العين والمسلة تأكيد جازم على مدى العلاقة الأخوية الأردنية المصرية عبر التاريخ، والمقام الرفيع والشأن العظيم للملك المؤابي، في حين أنها لا تقل أهمية عن مسلة والدة الملك ميشع وحجر مؤاب التاريخي.
ومن شحيان المشرفة على جميع الجبال حول القدس كما قال صفي الدين البغدادي وذكرها أيضا الحموي وأبو الفداء فقد سلكنا طريقنا إلى سهول الحنطة والشعير ببلدة الجدعا حيث كان يمر الطريق الملوكي منذ 1300 ق.م ويعتبر من أهم سبل التجارة في بلاد الشام، لقد تركت الحقب والكيانات الإنسانية آثارها عبر عصور ما قبل الحضارة كالعصر البرونزي والحديدي إلى العصر الهلنستي والعربي النبطي والروماني والأيوبي، ومما آثار انتباهنا الأطلال المؤابية للقلعة لحماية الطريق وأسوار التجمعات البشرية بما فيها من سبل دالة على نمط الحياة تتضمن مطاحن للقمح ومعاصر الزيتون وهي إشارة لكثرة الغلال على المدخل الرئيسي لوادي البالوع وتم توثقيها بالعديد من التنقيبات العلمية.
وادي البالوع
وبين صخور وجلاميد وسداسيات البازلت ويد العون بين أعضاء المجموعة إبتداء مسارنا لقلب وادي البالوع الذي سمي بهذا الإسم لجمعه مياه الشتاء والمعبر الوحيد لها من السهول المحيطة وكما يقول العامة "يبلع الماء" ليرفده لوادي اشقيفات (أي المشقوف) ليصب في وادي " أرنون" الموجب حيث بني السد عام 1999م بسعة تصل إلى 30 مليون متر مكعب، ويتشابه الإسم أيضا بموقع بالوع بلعا في لبنان الشقيق وفلسطين حيث تأخذ التسميات من الوصف والغاية.
لم تكن الطبيعة ثابتة في الوادي الواسع فهي دائمة التغير لغزارة المياة وقوة جريانها كل شتاء، لتكشف عن طبقات التكوين الجيولوجي الأولى تارة وتطمرها بتراكم رواسب الأتربة والحجارة بمكان آخر، ومن أجملها ذلك الشق الجيري الضيق المتعدد البرك التي تكونت إثر ارتفاع المساقط دون أي غطاء للنباتات البرية مع كثرتها على كتفي الوادي وفي الشفا حيث أقام بعض الأهالي مزارع الجوافة وعرفت بطيبها أحداها لأبو طارق مصاروة الذي ما أن شاهد وجودنا جاء حاملا خيرات أشجاره ، مهللا بترحاب وحفاوة بمرورنا قرب أرضة للتنزه هذه الوقت مستمعين لحديثة عن المكان شارحا لنا كيف يجر المياه عبر الخراطيم من الينابيع القريبة للمزارع.
وادي اشقيفات
وما إن انتهينا من وادي البالوع حتى تحول لمجرى ضيق مغاير يسمّى "وادي اشقيفات" عما يتّسم به " وادي البالوع" ، وكثر في الطريق مزارع الليمون والزيتون والتين لوفرة مياه الينابيع الدائمة وقد بوشر بفتح طريق ترابي لخدمتها على كتفه الشرقي لتساهم بنقل المنتجات وخدمة المتنزهين والزوار.
كان اتجاهنا الأول نحو بركة الماء أسفل الشلال الهادر من ارتفاع 6 أمتار وتجديد الطاقة والإنتعاش بما اكتسبته أجسادنا من حرارة المشي وقد أتيح لنا التمتع بفنجان من القهوة وكأسا من الشاي، ثم استكمالنا الطريق نحو الشلال الأول، مع حرص وتأكيد قائد المجموعة على ارتداء الخوذ والتقيد بإرشادات السلامة للقيام بالإنزال الأول والذي تم من ارتفاع 32 مترا متخللين لولبيات صقلتها المياه، تلاه الإنزال الثاني والأعلى منه قليلا المفضي لبركة تتجاوز بارتفاعها قامة الإنسان بمسطح أبعاده تقارب عشرة أمتار مربعة ولا مفر إلاّ بتجاوزها، احتجنا أن نعمل إنزلاق حبلي بين اللولبيات لإنزال الحقائب والأدوات دون أن تبتلْ بالماء ولحماية الأمتعة من العطب والتمزق وهنا تظهر براعة القائد في إدارة المجموعة والمسير واختيار الأسلوب الأمثل.
سمك الموجب
وبعد فترة الإستراحة استكملنا طريقنا نحو مصب الوادي بسد الموجب وكنا على موعدنا مع أصدقاء لنا من هواة صيد السمك، حاملين السنانير والشِّباك حيث يكثر تواجدهم على جدار السد وفي المحيط فوق الصخور، وبعد قطع 18 كلم بسلام أتممناها بثمانية ساعات مسير اشتركنا معا بتناول الغداء بما جاد به خير اليوم من صيد السمك كالكرب والمشط والتي تعد من أطيب الأسماك في السد.