facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




دوارد سعيد .. إشكالية المكان وصراع الهوية


سليم النجار
04-05-2024 04:15 PM

لقد ظلّ مفهوم المكان في ثقافتنا العربية الحديثة المعاصرة حبيس النّص الاستعماري: الإشكالي منه والسجالي. ولم يجد مرتعا لبعض من حرية التفكير والتصوّر إلاّ في النص التّخييلي شعرا كان أو حكيا أو مسرحا. وبين صرامة النّص الاستعماري الذي رسم المكان الجغرافي الاجتماعي الثقافي في عالمنا العربي وبين الحرية الممكنة للنصّ الأدبي يصعب الحديث في ثقافتنا هذه عن تصوّر فعلي للمكان من حيث هو كيان له استقلاله الذاتي.

إضافة إلى ذلك فإنّ طبيعة المكان باعتباره كيانا أوّليا متعدّد الدلالات والوظائف يخترق بإلحاح مجموعة من المباحث والعلوم، من الطبّ إلى علم الأديان مرورا بالفلسفة والعلوم الإنسانية والأدب. وهو ما يجعل من مقاربته أو تناوله بالبحث محكوما بالانحياز الأيديولوجي حتّى ولو أراد الشمول والكلية.

وإذا كان المكان بهذا المعنى مفهوما ثقافيا (بالمعنى الأنثروبولوجي للكلمة) فإنّ قابليته للتفكير الفلسفي النظري وللتحليل الثقافي في الآن نفسه هو ما يؤكِّد خصوبة البحث فيه والجدّة التي يتناولها البحث في هذا الشأن.

من رحم هذه الإشكالية للمكان ولدت في التاريخ العربي المعاصر الحديث، كينونة جديدة للمكان اسمها (الهوية) القطرية التي في نظر البعض من الكُتّاب العرب ومعهم جُلّ السياسيين في منطقتنا العربية، إنّها هوية متميِّزة. إنْ لم تكن فريدة من نوعها كأخطر مغالطة في التاريخ، هيمنت -وما تزال- على أفكار أجيال من الدارسين والباحثين.

ولكن الأكثر خطورة في هذه الفكرة، أنّنا عندما نُفاجأ بجهل مفكرينا ومؤرخينا، جهلاً حقيقيًا كان أم مصطنعًا، بريئًا كان أم ذا مرام، بهذه الفكرة التي تعدّ من أهم معطيات الصراع العربي، وأسبابه القريبة والبعيدة، نجد أنفسنا ميالين إلى إيجاد أسباب مخفّفة للمواطنين العاديين، الذين انساقوا إلى تأييد الباطل، متأثرين ببراعةِ الذين صوّروا لهم الباطل حقًا.

ولقد نجح الصهاينة في استخدام هذه الفكرة بشكل قويّ، ليعين ويحدِّد الذين يعادون حلم الصهيونية، أو يتحدّثون عن المظالم التي مورست ضدّ العرب الفلسطينيين، حتّى تحوّلت سيفًا مسلطًا فوق رقاب الكُتّاب والصحف ومحاولة إخضاعها لما تريده الصهيونية.

هكذا فعلَت -الصهيونية- مع المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد، عندما شكّكت بعروبته وفلسطينيته، ودخلت له من باب المكان، أيّ مكان ولادة إدوارد سعيد في القدس، مجرّد محطّة عابرة، ومن ثمّ انتقاله مع عائلته للقاهرة، رحلة مؤقّتة، حسب المفاهيم الصهيونية للمكان؛ واعتبروا إدوارد سعيد أمريكي المفاهيم والثقافة، ليدخل في بوتقة الهندسة الاجتماعية الأخلاقية الأمريكية، التي فحواها مبدأ الصراع بين الأفكار، والتيارات الثقافية.

وحتى تسوق هجومها على إدوارد سعيد، استندَت إلى ما كتبه بعض المفكرين الأوروبيين كالكاتب "بير روسي" في كتابه " التاريخ الحقيقي للعرب" إلى الانتفاض والتقريع، تقريع من كتب الكذب في جامعات أوروبا، ومن صدق ذلك في جامعاتنا فيقول: "عندما نتكلم عن الوطن العربي، فإنّنا في سبيلنا إلى نظرية مقدّسة، تجعل من العربي شخصية صحراوية، انبثقت في التاريخ في عهد غير محدّد أو معروف؛ إنّ عهود العرب الأولى في التاريخ غامضة جدًا، إنّنا لا نعرف من أين أتوا.

هذا التشكيك الصهيوني الأوروبي في هوية العرب، لم يتأتّى من سراب، بل المقصود به كلّ من يعادي الصهيونية، وإن كان إدوارد سعيد نال نصيب الأسد من هذا التشكيك، خاصّة حينما بدأ في استقراء الذاكرة الاستعمارية، التي تزاحمت في صورها ومشاهدها، ومخيّلتها المأزومة، إنّهم كانوا منارة للعرب، وما حكمهم لهم "الاستعمار" محطة تنويرية لوجودهم على الخارطة السياسية العالمية.

وإنّ حديث إدوارد سعيد عن الاستغلال وتزيف التاريخ، ما هو إلاّ خزعبلات كاتب، ينتقم من غموض مكانه وأصله -كما رّوجت الصهيونية-.

هكذا يصبح المكان في نظر الصهيونية علاقة وثيقة مع مفهوم الذات لإدوارد سعيد، ومفهوم الذاتية عند الصهاينة بوصفها مفهوماً منزوعة الهوية، بيد أنّ الأمر لا يقف عند هذا الحدّ. ذلك أنّ المكان إنْ وُجد، فهو موجود في مخيّلة إدوارد سعيد. باعتبار هذا الأخير متخيَّلا جماعيا أو فرديا بالنسبة للعرب والفلسطينيين.

لقد فتح إدوارد سعيد الذاكرة السوداء للحكومات الغربية وثقافتها المستعمرة، على مدى نصف قرن من التعامل الاستعماري مع الشعوب العربية والأفريقية.

وفي اللحظة التي أطلق إدوارد سعيد فيها الحجر إلى رأس الإمبريالية، كان هناك حجر من نوع آخر تقذفه به الصهيونية الأوروبية الحاكمة، هو وضع إشكالية المكان والهوية لإدوارد سعيد ومشروعه الثقافي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :