حب التملك والسيطرة .. كيف نفهم سياق الجرائم الأخيرة؟
محمد كامل العمري
03-05-2024 10:15 PM
أثارت الجرائم التي حصلت في الفترة الأخيرة، رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأن الجرائم بين الشركاء أصبحت مادة يومية يتم تداولها بين لحظة وأخرى. والملاحظ من الجرائم في الفترة الأخيرة، سيطرة الممارسة التسلطية على حيثياتها، أي الرغبة في التملك والسيطرة على الآخر. ومرجع ذلك هو المفاهيم والتصورات العاطفية القائمة على تجسيدات مجتمعية، سواء في التعبيرات الشعبية التي تبرر التسلطية باسم الحرص على الآخر، أو في الأعمال الفنية التي تؤكد هذه الممارسة: "يا تكوني إلي يا مش حتكوني لغيري"، أو نتيجة لتعاطي بعض الأنواع المخدرة مثل مادة "الكبتاجون"، التي تعمل على زيادة التصورات الكاذبة بين الشركاء.
تعريف الشخصية المتسلطة
تعرف "الشخصية المتسلطة"، المحبة للسيطرة والتملك، بأنها تلك التي تستخدم كافة الإمكانيات لاستغلال شخص ما في حياته الخاصة، وعلى حساب كرامته. وغالبا يصطاد المتسلطون شخصيات تعاني الضعف والانهزامية، أو تلك التي تحسن الظن بالآخرين، فيصبح المتسلط شخصا مهوسا، تملكه رغبة جامحة بالسيطرة على شريكه، إذ يراقب تحركاته أولا بأول، ولا يرى إمكانية العيش بدونه، ومن ثم يختلق له المشاكل، حتى يستقر اعتقاد لدى المسيطر عليه أنه شخص يستحق هذه الممارسة، وأن أفعال المتسلط ما هي إلا نتاج طبيعي من شخص محب.
ولا تقتصر التسلطية على علاقات الشراكة العاطفية، بل يمكن أن تجد صديقا يعاملك بتلك الطريقة؛ فيحدد لك مع من تسهر، وفي أي وقت، أو لماذا لم تستدعيه وقت خروجك مع الشخص الفلاني، أو لماذا تأخرت بالرد على رسائله واتصالاته. والنتيجة أن التسلطية تؤدي إلى اعتلالات نفسية خطيرة، مثل انعدام الثقة بالنفس، وصعوبة اتخاذ القرارات خشية إغضاب المتسلط.
علامات ممارسة السيطرة والتسلط على الآخر
بحسب موقع Psychology Today" " فإن هذه العلامات تساعد على كشف جوانب مهمة من ممارسات الشخصية المتسلطة، ونذكر منها:
أولا: النقد الشديد للأشياء حتى لو كانت صغيرة
تستمتع الشخصية المتسلطة بقدرتها على توجيه النقد، حتى لو كان لشيء لا يستحق، وثمة شعور عند المتسلط أن انتقاده يعطيه زخما وحضورا مميزا أمام الآخر، وبالتالي يجعل الطرف المسيطر عليه في حالة تبرير دائمة لأي فعل ينتقده، أو هكذا يعتقد المتسلط.
ثانيا: التجسس والتطفل على الأشياء الخاصة
عادة ما يشعر المتسلط أن من حقه تفتيش الاشياء الخاصة؛ الرسائل، المحادثات، قائمة الاتصالات، حيث يشعر أنه يعرف كل شيء، ومحيط بكل تفاصيلك الخاصة، بل ويفهم بماذا تفكري، وذلك وفق ممارسة استحقاقية قائمة على مبدأ "إذا ما عندك شيء سري ليش تخافي"!
ثالثا: الغيرة والاتهامات المتكررة
تعتقد الشخصية المتسلطة أن غياب الغيرة المرضية سيعني تمردا عند الطرف المقابل، ولذا دائما تكون دوافع الغيرة هي الخوف الشديد من تفكير المسيطر عليه بشيء آخر، إذ إنه يعتقد أن علاقته لن تستمر إلى الأبد، وأن شريكه سيخونه في النهاية، ولذلك يرى المتسلط أنه محور العلاقة وأساس بنيانها، ولا يوجد ما يستحق أو يستوجب التفكير بغيره.
رابعا: جعل القبول والاهتمام مشروط بأشياء أخرى
يحبذ الشخص المتسلط تقديم اشتراطات للمسيطر عليه، وذلك لجعل الاهتمام والحب هما مركز كل شيء؛ ومثال ذلك قوله: "أحبك أكثر لو تقللي من. وزنك أو تغيري من شكل تسريحتك".. "إذا اردتي محبتي فعليك فعل ذلك الأمر".. "لكي أحبك وأعشقك عليك تنفيذ أوامري دون جدال".. الخ.
خامسا: دعوتك لمقاطعة أصدقائك أو أحد أقاربك
من باب حرص الشخص المتسلط، وخوفه من تأثر المسيطر عليه بأي شيء كان، خصوصا مع اعتقاده أن الكل يتآمر على علاقته، فقد يأمرك بعدم الجلوس مع أحد أصدقائك بحجة أنه يعرف مصلحتك أكثر منك، او يأمرك بعدم الذهاب إلى أحد أقربائك، وبالتالي تأطير العلاقة بالأوامر والنواهي التي لا تنتهي.
سادسا: افتراض أنك مذنب حتى تثبت براءتك
في هذه المرحلة، يكثر "التلكك" والوقوف على "النقرة" ( كما في المثل الشعبي )، حيث افتراض ذنبك عن شيء دون علمك به، أو حتى اقترابك منه، وذلك لتعكير مزاجك بأي وسيلة، فلا يكون أمام المسيطر عليه إلا الرضوخ والتكفير عن "ذنبه" المفترض!
سابعا: عدم القدرة على الاستماع لوجهة نظرك
يمارس المتسلط صوابية عاطفية عند نقاشاته، فلا يوجد رأي يستحق أن يقنعه بالعدول عن فكرة ما، وبالتالي لا يستطيع سماع وجهة نظر الشريك، فهو يحاول وضع قفص الاتهام على العلاقة بكاملها، وبشكل دائم.
ثامناً: إنشاء دين عليك
لا تمل الشخصية التسلطية على التذكير بالمزايا والهدايا المقدمة، وذلك لإحساسك انه قدم الكثير من أجلك ويجب عليك احترام وتقدير ما قدم وفق مبدأ "طعمي الثم تستحي العين"! وبالتالي التذكير و"المن" دائما، بسبب أو بلا سبب، بأنك ممتن له.
تاسعا: عدم احترام خصوصية الوقت وإنشاء حالة جدال لا تنتهي
يتدخل المتسلط في كافة تفاصيل حياة المسيطر عليه، لا يهتم للوقت المناسب، كل شيء مباح بالنسبة له، وبالتالي اختراق ما تبقى من أسوار، فهو يرى بأن الوقت كله مسير لخدمته، ولذلك تجده يتحدث دون ملل وفي أوقات متأخرة من الليل، أو يدقق ويجادل من أجل إرهاق المسيطر عليه، وفق مبدأ "لازم تقتنعي باللي أحكيه"!
عاشرا: التهديد بإيذائك او إيذاء نفسه
عندما تبلغ العلاقة نهايتها، لا يجد المسيطر عليه من حل إلا التمرد على المتسلط ورفض أوامره، ومن ثم يشرع في بناء شخصيته المستقلة القادرة على اتخاذ القرارات دون وجود مرجعية ما، الأمر الذي يؤدي إلى هيجان المتسلط، إذ يشعر بأن كيانه بدأ يهتز. هنا لا يكون أمام المتسلط، المحب للسيطرة وتملك الآخر، إلا أن يهدد بقتل نفسه أو شريكه، او أحد أقربائه، فيقول مثلا: "والله لأحرق حالي!".. "والله لأطعنك إذا ما تحكي معي".. "صدقيني راح اقتل أهلك إذا تركتيني".. وغيرها من العبارات المعهودة عن المتسلطين.
ختاما، إن العلاقات لا تبنى إلا على الاحترام المتبادل، حيث لكل فرد شخصيته الخاصة التي تميزه عن غيره، وعليه فإن عملية تذويب الآخر وفق قوالبنا لا تساهم باستقرار العلاقة، بل على العكس ستكون النتيجة مخيبة للآمال، إذ سيعيش الجميع في حالة تشكك وخوف. والحل -برأيي- يكون بزيادة التوعية، ونشر ثقافة احترام مشاعر وخصوصية الشريك، وعدم ابتلاعه بحجة الحرص، أو الحب.