لطالما كانت الخيانة ، عُملة سهلة الصكّ عند بعض العرب ، هذا يخون و ذلك يغدر، تلك تنكث الوعود، و ذاك يحلف زورا، حتى أننا لو راجعنا تاريخنا العربي سنجد أن الخيانة كانت حجر الزاوية لكثير من الروايات والاقاويل و القصص، فباتت الخيانة اسهل على اللسان من التفكير، و التشكيك الصعب أبسط على البعض من التحليل السهل...
الاردن، يراه البعض ذلك البلد الذي يخون ، فهو من البلدان القليلة الذي يجب دائما أن يكون مشروع انتحار ، لا يهمّ الثمن، لا تهم موازين القوى، فمتى ما أرادوه يجب أن يُلبّي، أو يصبح الاردن الذي يخون...
مشروع الحرب الذي يعيش في عقول بعض الاردنيين و المقيمين في الاردن جاء كنتيجة لتراكمات عمُرها عقود ، فظنّوا أو تناسوا أن هذا البلد هو مكّون خاص مُنفصل و مُستقل بحدّ ذاته، له هوية، له أرض ، له تاريخ ، له جغرافيا ، له ظروف و أولوليات يبنى بناء عليها استراتيجياته، فهو ليس مشروعا انتحاريا يقف على كلّ الجبهات غير مبالٍ بالتفاصيل ، فالاردن ليس بطلا بباب الحارة ، أو فتىً مراهق يناور دون ترتيب ، هذا ما لا يدركه البعض أو يستغبي رفضا للادراك..
الأردن و على مدار عقود من الزمن ساعد ، ويساعد الجميع في حدود امكانياته أحيانا كثيرة ساعد على حساب مواطنيه ، على حساب شعبه ، ساعد في بعض الاحيان من لا يستحق المساعدة، و أعان في بعض الاوقات من لا يتمنّون له الخير.
هذه الفئة التي تستسهل التخوين، لا تستطيع التفكير والتساؤل عن اسباب استقرار هذا البلد، عن اسباب بقاءه بالرغم من ظروفه الاقتصادية و محيطه المشتعل ، عن صموده رغم انهيار بلدان أقوى اقتصاديا و اكبر جغرافيا منه ، يريدون الاردن مشروع مقاومة و شهادة دائم ، حتى لو كانت دون حسابات تُذهب الأرض و تُدمر البشر و الحجر ، فلا بأس هكذا يرضون ، و رضاهم يتكلّل بحسابات لا تُطبق على أرض اسفلتيه ، بل على رماد ، و لنا في دول عربية كثيرة شواهد و أمثال تروي آلاف القصص الدموية.
هذا البلد و منذ ولادته ، اهتمّ بأرواح ابناءه ، سعى جاهدا لكي لا تصبح سلعة و لعبة تتقاذفها القوى ، تعثّر كثيرا و سرعان ما استقام ، لم يتسرّع بل كان كرجل حكيم لا يقدم على أيّة خطوة دون دراسة تبعاتها ، فضمن الأمن و اقتنص الأمان...لذلك يراه البعض البلد الذي يخون...و نراه نحن ذلك البلد الذي يصون ، و تلك القيادة التي لا تكون إلّا سندا و عون.