تسبب غياب القيادة الدولية الفاعلة عن الإقليم في بقاء المظالم على حالها وزيادة القهر ومآسي الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني مما تسبب في انفجار الوضع في قطاع غزة بعملية عسكرية قل نظيرها هدفا وتخطيطا وهجوما.
وبعد سبعة أشهر من طوفان الأقصى، كشفت تلك العملية العسكرية انها حطمت الأصنام في العالم والمنطقة وأولها الصنم الأمريكي الذي أطاحت بقوته ونزعت عنه غشاءه الأخلاقي الذي طالما تشدق به وكذلك فعلت بالأصنام الصغيرة التابعة في أوروبا واسيا، كما حطمت صنم المشروع الاستعماري في الإقليم، الصنم الصهيوني بحلمه الكاذب وقوته المصطنعة.
وقف الانهيار في الشرق الأوسط اليوم يعني بالدرجة الأولى استعادة اللاعب العربي دوره وحقوقه الضائعة منذ أكثر من سبعة عقود. أما قرار وقف الانهيار فانه يحتاج الى إعادة بناء الموقف العربي الرسمي وما يقف خلفه من إمكانيات بشرية ومادية ضخمة.
نكذب على أنفسنا إذا ذهبنا الى أنصاف الحلول وسيسخر منا التاريخ إن تأخرنا في إنقاذ أنفسنا، فالجيل الذي نشأ قبل أشهر تحت القصف في قطاع غزة سيكون جيلا مقاوما أشرس من جيل آبائه اليوم، إضافة الى أن القضية الفلسطينية تحولت في العالم اليوم الى أولوية أخلاقية يدافع عنها الناس، وخاصة الشباب، في كل مكان.
مظلومية فلسطين اليوم تحولت الى مظلومية دولية وأخلاقية لا تقل أهمية عن مظالم جنوب إفريقيا أبان فترة الفصل العنصري هناك، والدليل على ذلك ان المحكمة الجنائية الدولية، رغم الضغوطات، لا تستطيع إخفاء معالم جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال وجيشها الهمجي.
عملية الإنقاذ يمكن ان تقودها المملكة العربية السعودية ويساعدها في التحليق جناحان عملاقان هما مصر والإمارات العربية بما لهما من ثقل سياسي واقتصادي كبيرين. فالقوة الاقتصادية الهائلة والصاعدة في الرياض تحتاج الى قوة اقتصادية في المنطقة لتكون ضمانة للعلاقات الدولية القائمة على المصالح.
السعودية من مصلحتها بقاء إيران كقوة داخل حدودها وضمن توازناتها التاريخية المعترف بها وضمن مفاهيم الجيرة الحقيقة بين الدول، ودون الاستمرار في فكرة"تصدير الثورة" التي تخيف دول الإقليم. ولا اعتقد ان إيران تسعى الى أكثر من اعتراف أمريكي ودولي صريح بوجودها وبمصالحها في المنطقة، وهو نفس ما تفكر به الصين وروسيا اليوم.
لكن المشكلة تكمن في امريكا بقيادتها المتهورة او المتخاذلة وخندقها المتقدم إسرائيل، إنهما لا تريدان شركاء عرب بل عملاء وتريد عبيدا لا أحرارا. وتعرف أمريكا ان العالم تغير وان الرأي العالم الدولي استيقظ من سباته، فالتغيير الكبير اليوم داخل أمريكا تقوده الجامعات واليهود الداعون للسلام. وفي داخل كيان الاحتلال صحوة من الحلم الكاذب التي باعته الصهيونية لهم. لكن هذه الصورة تخص اليهود ونظامهم السياسي ولم تصل بعد الى الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في جلاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة.
أما الأردن فانه بوابة تطل على الخليج من خلال المملكة العربية السعودية، وبقاء الأردن بعيدا عن خطط التنمية الهائلة في السعودية سيؤثر على اكتمال مشروع النهضة السعودي لان الأردن احد عناصر القوة السعودية في الإقليم.
ليس أمام العالم اليوم سوى الذهاب الى عملية سياسية تفضي الى جلاء الاحتلال ضمن حل عادل يرضى عنه الشعب الفلسطيني، وبخلاف ذلك سنبقى عرضة كل قبضة من السنين لعملية عسكرية مقاومة تهز المنطقة واقتصادها. فهل من عقلاء؟