الانتخابات وجدلية "برمودا"
إياد الوقفي
30-04-2024 09:25 PM
التشكيك بنتائج الانتخابات على اختلافها، وتدني منسوب الثقة، قضية متجذرة لم تتمكن حكومات دول العالم الثالث من فك ترميزها، وربما هذا مدعاة الى جانب عوامل أخرى تفسر تدني نسبة المشاركة في الحياة السياسية، يتعذر فك شيفرتها الا عبر شفافية الإجراءات وتلاشي جدلية "مثلث برمودا" الانتخابي، فثقة الناخب بافرازات صناديق الاقتراع دون إنزال "عمليات تجميل" يشكل حجر الأساس المتين في تمكين البناء الديمقراطي.
الركيزة الأولى للديمقراطية تتجلى في وجود تنظيمات حزبية حقيقية برامجية بعيدا عن أحزاب ال "one man show" التي كشفت ضعف وهشاشة بنيانها السياسي، فبعد أن غاب "الأب الروحي" عنها، تلاشى الحزب وغاب دوره الذي وجد في الأصل من أجل تعزيز المشاركة السياسية والوصول إلى الحكم بأدوات سلمية وديمقراطية.
جماهيرية الحزب قضية في غاية الأهمية لا يجوز اغفالها، وتشكل عاملا نفسيا وعمليا مهما في إمكانية الوصول إلى قبة البرلمان، وتوفر حاضنة لزخم شعبي يعزز من فرص الأفراد المرشحين المنخرطين في كوادر الحزب، وبخاصة أن العتبة الخاصة بالقوائم الحزبية حددت نسبتها ب 2.5% ، بمعنى إن كان هناك مليوني ناخب، فعلى القائمة أن تحصل على 50 ألف صوت كحد أدنى لتدخل ميدان المنافسة في الماراثون الانتخابي النيابي، مما يصعب مهمة الأحزاب الناشئة التي ما زال عديد منتسبيها لا يشكلون ثقلا انتخابيا، باستثناء حزب واحد له باع وخبرة طويلة في هذا الميدان ويحظى بمؤيدين وكوادر واسعة ومنظمة.
حشد الشباب على المشاركة في الأحزاب، يمثل المرتكز الأول والأهم في نجاح التجربة الحزبية، ولعل التعديلات التي طرأت على قانوني الانتخاب والأحزاب أوجدت أرضية خصبة في الوصول إلى هذا المسعى، وفيما عدا ذلك سنبقى كمن يحرث الماء، وهنا تبرز قيمة برامجية الحزب لجهة تبني قضايا ممن يشكلون أكثر من 70% في مجتمعنا الذي يوصف بالفتي، وطرحها بجدية تحت قبة البرلمان.
ثقة الناخبين بنزاهة الانتخابات وبخاصة فئة الشباب الذين يمثلون عنصر التغيير الأول، يغذي الشعور العام بالشراكة في صنع القرار ويشجعهم على الانكباب على صناديق الاقتراع، وتجاوز نسب المشاركة الشعبية الضئيلة التي لا تعكس اراء الشريحة الواسعة من الناخبين كما في دورات انتخابية سابقة.
تخصيص مقاعد للقائمة الحزبية خطوة في الاتجاه الصحيح، من شأنها تحصين الأداء النيابي عبر رفد المجلس بكفاءات بشرية مؤهلة، تمثل طموحات وآمال الناخبين، بعيدا عن الجهوية ونواب الحارات، تعظم الدور الطليعي لمجلس النواب حتى يتسنى له القيام بدوره الرقابي والتشريعي، ويتصدى لتفرد وتغول الحكومات، يكون عونا للمواطن لا مجرد ديكور كما وصفته في إحدى المقالات السابقة.