بالرجوع إلى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، نجد أن حركة حماس مارست عملها السياسي من خلال "مكتبها السياسي" على الساحة الأردنية لفترة طويلة بكل حرية وحماية وترحيب من الدولة ، وأحداث تلك الفترة تؤكد هذا ، وقد وقف الأردن إلى جانب رموز الحركة آنذاك أمام كل المعضلات التي واجهوها خارج حدوده وداخلها، وحادثة الإفراج عن الدكتور موسى أبو مرزوق من المعتقلات الأمريكية بجهود أردنية ومحاولة اغتيال خالد مشعل في عمان ، ونجاح المغفور له الملك الحسين في فك أسر الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تثبت أن الأردن لم يتخل طوال تلك الفترة عن موقفه الداعم للعمل السياسي للحركة على ساحته ، وفي عام ١٩٩٩ توصل إلى أن وجود المكتب السياسي لحماس على أراضيه أصبحت تكلفته عالية على المصالح الوطنية الأردنية ، فأغلق هذا المكتب واشترط على قادة حماس المتواجدين في الأردن آنذاك والذين يحملون جوازات سفر أردنية ، إذا رغبوا بالبقاء في البلاد أن يتخلوا عن العمل في عمان كقادة للحركة ، وحالة المرحوم المهندس إبراهيم غوشة تؤكد ذلك إذ وافق الرجل على هذا الشرط وعاد إلى عمان ومارس حياته الطبيعية ، لكن الاخرين رفضوا وغادروا إلى قطر ولم يتخذ الأردن موقفا عدائيا تجاه حماس بالمطلق، بل على العكس ظل يسمح لقادتها السياسيين القدوم إلى الأردن في أي وقت يرغبون ، وفي حال حكمت الظروف الإنسانية ، وآخر زيارة لخالد مشعل كانت برفقة اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للمشاركة في تشييع جثمان المرحوم إبراهيم غوشه ، وبقى الرجالان في عمان عدة أيام ولم يشعروا بأي مضايقة أوعدم ترحيب.
الأردن موقفه معروف ومحسوم لأنه لا يتعامل بالشأن الفلسطيني إلا مع العنوان الرسمي للفلسطينيين وهو السلطه الفلسطينية المعترف بها دوليا حتى لا يدخل في فوضى الخلافات الفلسطينية ليتمكن من خدمة قضية الشعب الفلسطيني كما يجب دون حساسية لأي طرف ، في ذات الوقت لم يعادي أي حركة فلسطينية ودعا ولا يزال إلى المصالحة الفلسطينية والتوحد تحت عنوان مصلحة الشعب الفلسطيني ، ومنذ بدء الاعتداء الإسرائيلي على غزة وهو يمارس بأقصى إمكانياته المتاحة تحركات سياسية مكثفة على المستوى الدولي لإيقاف هذا الاعتداء ، ووضع كل إمكانياته المادية في خدمة الأهل في غزة والضفة الغربية ، وللأسف لم نسمع كلمة شكر واحدة من سياسيي حماس لهذا الموقف الأردني المتقدم على كل المواقف العربية والإسلامية ، في حين لا يمل الكثيرون منهم من تقديم الشكر والثناء لدول موقفها لا يوازي نسبة واحد بالمئة من الموقف الأردني ، ولم يتوقف الأردن عند هذا لأنه لا يتعامل مع فصائل وظل مستمرا في جهوده خدمة للأشقاء الفلسطينيين كشعب يتعرض لأبشع جرائم القتل والإبادة.
في الفترة الأخيرة لوحظ أن بعض قادة حماس يركزون في تصريحاتهم على الأردن شعبيا ويتوجهون إلى الناس مباشرة، ويحثون الأردنيين على البقاء في الشارع تحت حجة دعم غزة ، ويصعدون أكثر من ذلك وهذا أمرا غاية في الاستفزاز وربما العداء ، ولازالت تصريحات خالد مشعل التي طالب بها من الشعب الأردني أن يتحرك نحو الحدود ماثلة أمامنا ، مع العلم أن الأردن الدولة العربية الوحيدة التي سمحت لحرية التحرك بالشارع لكل من يريد أن ينزل إليه دعما لغزة وقد شهد أكبر زخم في هذا الصدد على مستوى العالم.
من غير المفهوم القصد من هذه التصريحات لقادة حماس ، وكان آخرها تصريحا للدكتور موسى أبو مرزوق جاء فيه أنه إذا خرجوا من الدوحة ستكون وجهتهم عمان ، وكأن عمان وكالة بلا بواب ولا سيادة لها ، وهذا كلام فيه استفزاز للأردنيين على المستوى الرسمي والشعبي ، لأن الأردن ليس ساحة مفتوحة لمن أراد، مع العلم أن أبو مرزوق لا يحمل الجنسية الأردنية.
أما على المقطع الآخر فللأسف أن الكثير من الوفود الأردنية التي تذهب للدوحة للقاء المكتب السياسي لحماس هناك والتي تتصدرها شخصيات من الحركة الإسلامية "الأخوان المسلمون" مقصرة بحق الأردن لأنها تتعمد عدم إبراز الموقف الأردني اتجاه معركة غزة ودفع حماس لتقدير هذا الموقف والتوقف عن استفزاز الأردن، بل على العكس البعض يحاول التقليل من شأن هذا الموقف وربما الطعن فيه في الوقت الذي يمجد فيه دول أخرى لم تقدم شيئا للأشقاء الفلسطينيين في معركتهم سوى بعض التصريحات الخجولة لذر الرماد في العيون.
نقولها بصراحة هناك في من في الحركة الإسلامية والمتعاطفون معهم يحاولون استغلال الوضع الراهن في غزة لحصد أكبر مساحة من الفوز في انتخابات مجلس النواب العشرين خلال الفترة القصيرة المقبلة حتى لو كان ذلك على حساب المصلحة الوطنية ، ويمارسون أقصى أنواع الاستغلال السياسي للحالة الراهنة وأسوأ ما في ذلك محاولة تهييج الشارع الأردني واستغلال عواطف الناس النبيلة تجاه غزة ، وهذا أمر مرفوض من جميع الأردنيين.
الأردن الدولة ..بكل أذرعتها الحكومة والمؤسسات العسكرية والأمنية والأحزاب وكل الهيئات الشعبية بما فيها العشائر يتخذون موقفا موحدا في القضية الفلسطينية ، ولن يسمحوا لأي جهة كانت أن تهز أوتخترق هذا الموقف من أجل غايات في نفس يعقوب.
اخيرا على القادة السياسيين في حماس أن لا يحاول إستفزاز الاردن أكثر، لأنهم سيكونون هم الخاسرون، مع التاكيد اننا كاردنيون نفرق جيدا بين المقاومة بكل فصائلها وتلك الغايات السياسية الانانية..