نظام الترقيات الجامعية بين الواقع والعقل والمنطق
الدكتور فوزان القيسي
29-04-2024 05:23 PM
بداية انا لست بكاتب صحفيا ولا اجيد الكتابه المتخصصة فاعتذر لكم مقدما عن ركاكة كلماتي وضعفها ولكن هذا الموضوع شدني وادهشني مما دفعني للكتابة ، وقد يكون سبب ذلك هو اني ولدت ونشات من رحم وبيئة مصرفية خالصة طامحا الى حياة اكاديمية جيدة استثمر فيها خبرتي العملية والعلمية ، لهذا فقط أرجو أن يتسع لي صدرُكم لتسألاتي التي ضاق بها صدرُي والمتعلقة بالنظام المعمول به للترقيات الاكاديمية في الجامعات الاردنية وذلك من خلال فهمي وتجربتي الشخصية من عام 2014 بداية عملي في الجامعات الاردنية الخاصة ولغاية عام 2023 ، وارجو ممن يخالفني الراي بأن يفسر لي ويوضح واكون له شاكرا .
فارجو منكم الاهتمام و وقراءته بشكل جيد فالامر يتعلق ببعض شباب في عمر الورود رفضت طلباتهم مرارا وتكرارا ، وحديثي هنا عن الترقيات الجامعية بشكل عام من خلال اجراءات الترقية التي يمر فيها عضو هيئة التدريس في بعض الجامعات التي نعتز بها ونفتخر وهي كمايلي:"وللأسهاب غاية"
أولا- هناك تعليمات اعضاء هيئة التدريس التي اعدت بعناية وجهد كبير من قبل لجان متخصصة وعلى وجه الخصوص تعليمات الترقية من رتبة إلى رتبة أعلى التى تذكر بالتفصيل ما يشترط على عضو هيئة التدريس ان يتقيد به قبل ان يتقدم بطلب الترقية الاكاديمية ، من هذه الشروط أن تكون قد توافرت لديه في الرتبة التي ستتم ترقيته منها أقدمية لا تقل عن خمس سنوات ، ان يكون للمتقدم خدمة فعلية متصلة او منفصلة في الجامعة لا تقل عن ثلاث سنوات ، ان يكون ناجحا في تدريسه، ان يكون ناجحا في علاقاته في العمل الجامعي ، وان يكون فاعلا في خدمة المجتمع وغيرها نقاط عديدة . كما يتضمن طلب ترقية ايضا ثلاث مكونات منها الانتاج العلمي ويخصص له 60 % من اجمالي التقييم ، التدريس ويخصص له 25 % والخدمة ويخصص لها 15 % . كما يشترط لترقية عضو الهيئة التدريسية الحصول على - 60 % كحد ادنى في كل مكون من المكونات الثلاثة اعلاه. ، وشروط اخرى تتعلق بقاعدة بيانات المجلات الدولية المقبولة في الترقيات مثل المجلات المدرجة في قاعدة البيانات العالمية (Journal Citation Reports) ضمن ((Web of Science) / Clarivat / والمجلات المفهرسة في قاعدة البيانات (Scopus) وعدد النقاط لكلا منها ووشروط اخرى كثيرة ، واخذت اللجان وقتا طويلا لاعدادها وتعديلها عدة مرات ويلهث الدكتورجاهدا خلف هذه التعديلات الجديدة ليواكبها ،اي بمعنى اخر شروط وبنود وقيود معقدة وعديدة ومتجددة يطول شرحها
ثانيا- وبناء على هذه التعليمات يقوم عضو هيئة التدريس بكتابة الابحاث وأحيانا يأخذ البحث الواحد أكثر من ستة شهور كتابة وبعد ذلك يتم مراسلة المجلة المناسبة تحت قاعدة البيانات المعتمدة اعلاه مثل Scopus و Clarivat "طبعا وبكل تاكيد هذه القائمة لقاعدة البيانات تغيرت وطورت اكثر من مرة" وتأخذ العملية بين مراسلات متبادلة ومعقدة ومقرفة أحيانا ما يقارب السنة ،هذا وإذا وافقت المجلة عل النشر. وتحتاج الى نشر 4 ابحاث على الاقل لتغطي الحد الادنى من النقاط المطلوبة في تعليمات الترقية.
ثالثا - عندها ننتقل للمرحلة التالية من التقديم بأعداد ملف الترقية الذي يحتوي على تاريخك المهني ومن اربعة عشرة بند منها ذكرالمواد التي قمت بتدريسها من بداية عملك الأكاديمي في الجامعة ، التقيم للطلاب ، نشاطاتك في الجامعة ،اللجان المختلفة التي اشتركت فيها ،الخدمات الادارية ، واي نشاط أخر خارج الجامعة، الخبرات العملية والعلمية، تقيمات رئيس القسم والعميد ،الشهادات العلمية ،الدورات والابحاث المقدمة والقديمة والسيرة الذاتية يعني بمعنى آخر تحتاج إلى اكثر من شهرمن تعب وعناء حتى يكتمل الملف وتعد منه 6 نسخ من هذا الملف ومن ثم تقدمه لرئيس القسم .
رابعا - يجتمع مجلس القسم ويقرر في محضر اجتماع بأن الطلب جاهز حسب التعليمات ويرفع للعميد.
خامسا- وبدوره يقوم العميد بتشكيل لجنة على مستوى الكلية من أساتذة كرام نعتز بهم ونفتخر ولهم باع كبير في هذا المجال، حيث تجتمع اللجنة عدة اجتماعات للنظر بالابحاث ومستواها وتقدير كم نقطة لكل بحث ، وبين اخذ وعطاء يتم الاتفاق على عدد النقاط لكل ورقة حسب المجلة لانها الاكثر جدلا في اللجنة نقطة اونقطتين اوثلاث ومن ثم تقوم اللجنة بالتوصية بأن الطلب مكتمل حسب التعليمات وإعطائها التقيم المناسب من النقاط وترفع لمجلس الكلية.
سادسا- يجتمع مجلس الكلية كاملا للتصويت على الترقية ومن ثم يتم رفع تقرير بالتوصية المناسبة إلى لجنة التعين و الترقية .
سابعا- هذه اللجنة التى تضم نخبة النخبة من الأساتذة الزملاء الكرام وأصحاب خبرات في المجال البحثي وبعد دراسة الطلب يتم التوصية لمجلس العمداء.
ثامنا - ومجلس العمداء الموقر الذي هو ايضا اساتذة نعتز بهم وكلهم إخوة أعزاء يرفعوا تقريرهم إلى عطوفة رئيس الجامعة.
تاسعا- وعطوفته بدوره يوشح بتوقيعه الكريم على كتاب يسمح بالسير بإجراءات الترقية حسب تعليمات الجامعة وهذا يعني إن كل الشروط مكتملة حسب التعليمات. "ولكني اتسائل هنا هل كل هذة التعليمات والاجتماعات والاجراءات السابقة والتي اخذت وقتا كبيرا لم تكن من اجراءات الترقية ؟؟؟؟" ,وما هي الاجراءات الباقية ؟
تاسعا - وهنا تبدأ رحلة عناء الدكتور طالب الترقية بان يقوم بنفسه بناء على طلب الجامعة بالبحث عن 30 إسم من الأساتذة الكبار بالتخصص كمراجعين " Reviewers"للابحاث المقدمة، "وكأنها لم تقيم وتراجع من قبل المجلات العالمية العالية المستوى التي نشرتها" واختيار هؤلاء المراجعين " Reviewers" بشروط معقدة منها أن يكونوا معروفين بموضوعيتهم ومن جامعات ذات مستوى أكاديمي مرموق غير الجامعة التي تخرج منها المتقدم للترقية ،أن يكونوا من بلدان وجامعات متعددة، ويفضل أن لا يزيد عدد المقيمين من جامعة واحدة عن واحد ومن بلد واحد عن اثنين وان تكون من ضمن اول 500 حسب تصنيف شنغهاي او QS
وهذا موضوع آخر.. "وقد قرات مؤخرا بان كل من جامعة هارفارد وبيركلي وييل والتي تتصدر تلك التصنيفات قد انسحبت منها بعد ان تحققت من كون هذه المؤشرات تجارية وربحية فقط "والسوال هنا هل يعني ان هذه الجامعات اصبحت ليس بمستوى تعليماتنا "اقصد بذلك تعليمات القلة القليلة من الجامعات التى تسعى للتميز"؟؟؟ وايضا هناك علماء خدموا في مثل هذه الجامعات ولكنهم انتقلوا الى جامعات ليست من أول 500 جامعة هل يعني ذلك انهم اصبحوا لا يرتقوا الى مستوى تعليمات الترقية لهذه القلة القليلة من الجامعات؟؟؟. البعض يقول هذا تميز عن الجامعات الاخرى ,والمنطق يقول التميز ان تقوم بعمل لا يستطيع الاخرين فعله بسهولة وان يكون عمل جيد ونافعا وممدوح عليه يعود على سمعة الجامعة بالخير الكثير، وقد يكون هذا الشرط هروبا من مشاكل الجامعة، والمدهش في الامر ان روؤساء هذه الجامعات الذين اشترطوا هذا الشرط لم يترقوا على اول 500 جامعة.
عاشرا - تُراسل الجامعة (بصفتها المعنوية ) ثلاث مراجعين " Reviewers" (بصفتهم الشخصية) لتقييم طلب الترقية والردود عادة تأخذ مدة طويلة (تاخذ احيانا سنتين) وقد يحالفك الحظ بان تكون الردود جميعها إيجابية وقد يعاندك وتأتيك ردود منها سلبية وقد يكون لمرور زمن على كتابة البحث احيانا فهذا يعني ان الامر نسبي بين مراجع واخر وتتوقف ترقيتك على قراره ، وقد يعود ذلك بسبب إن جامعته بحثية ويتم تقيم الترقيه حسب تعليمات جامعته . وهناك من يقول ان الموضوع ليس حظ والعمل الجيد لا يختلف عليه اثنان ونسي انه حتى الكتب السماوية لم يتفق عليها الجميع.
وتكون الجامعة بذلك قد سلمت القرار للمراجعين " Reviewers", وبهذا الرفض ينسف عمل كل اللجان والاجتماعات والتعليمات ويتخذ القرار النهائي هو نفسه بدلا عن اصحاب القرار الاصليين.
الحادي عشرا - ثم يجتمع مجلس العمداء وللاسف ليعلن ويعزز هذا القرار بموجب كتاب موقع من الرئيس لرفع سوية المجلات - وكأن العيب في المجلات- ويقيد فيه شروط اعادة تقديم الطلب مرة اخرى بنشر ابحاث ذات سوية عالية مثل (Q1,Q2) ، ناسفا بذلك تعليمات الترقية كلها وتسقط بذلك اخر ورقة توت تغطي حساسية الموقف التي هي بحجم حبة الكمثري ولا داعي لها لتفضح ما لدينا ، ولا انكر بانه يتم ترقيات هناك وترقية واحده هنا.
ونحن نعلم ان مجلس العمداء المستقل "غير المكبل بتجديد عقده" ان اعُطي الصلحيات الكاملة بارادة كاملة غير منقوصة او موجهة يقوم برفع سوية الجامعة باتخاذه القرارات الصائبة التي تصب في مصلحة التعليم الاكاديمي في الاردن وليس للاختباء خلفه.
والله لا اقصد الا الخير "ولكنها مرارة في القلب" وضرورة اعادة الحسابات ، وقد يكون لنا السبق في ذلك والبحث عن اجراء يتناسب مع المنطق والعقل والا ما معنى ذلك كله ؟؟؟؟؟؟...هل السير في اجراءات الترقية اختزلت فقط في ردود المراجعين " Reviewers" أليس الأجدر وبهذا المنطق اللامنطقي أن نلغي جميع هذه الإجراءات التي سبقت حتى نوفر الوقت وعناء الاجتماعات ونرسل طلب الترقية للمراجعين الثلاث مباشرة ليتخذوا قرار الترقيه من عدمها بدلا مراسلة مجلات عالمية ذات تصنيف عال ،"وقد يكون حالها ليس بافضل من حال التصنيفات العالمية للجامعات".
تصوروا يا اساتذتي بانني مديرا في بنك واريد ترقيه موظفا عندي كونه خدم المؤسسة ويستحق الترقية حسب تعليمات بنكي..... ولكني أقوم بمراسلة 3 مدراء في بنوك مختلفة بصفتهم الشخصية وليس حتى بأسماء بنوكهم لتقيم عمل هذا الموظف واجراءاتي .. وتكون تقاريرهم بأن هذا الموظف لا يستحق الترقية ولسان حالهم يقول إنتم "ما بتفهموا" مخطئين هذا الموظف لا يستحق الترقية .اليس غريبا هذا ؟؟؟؟
انا فقط أفكر بصوت عال ولا أقصد الاساءة لاي جامعة بالرغم من ان نسبة عالية جدا من الجامعات ورؤساء الجامعات لديهم الحنكة الكافية والادارة الذكية لتخطي هذه الثغرات وهنا ياتي دور الضرورة لتوفر الخبرة والمهارة المتكاملة في تعيين رؤساء الجامعات ، ولذلك يكون هناك جامعات ناجحة وجامعات تصارع الفشل وتخلق من أبنائها -ان اعتبروا ابنائها-اعداء لها ، ولا نريد ان نكون جامعات تدرس الادارة وتفتقر للادارة . كما انني لا اعتقد ان الجامعات الغربية الاميركية والاوروبية مثلا تعتمد هذا النظام في الترقية ،وانا ارى بان يكون قرار الترقية بيد الجامعة وهي قادرة بمجلس عمداء قوي مستقل محمي من الغطرسة المنفردة على اتخاذ القرار الصائب دون الاختباء ايضا خلف المراجعين "لان هذا من المعيب بمكان" وخيرا من ان نبقى مُكبلين أيدينا وعقولنا بقيود ذهنية لا تخضع للمنطق ولا للعقل السليم ونكون رهائن لهذه القيود بإن نضع قرارنا وبمحض ارادتنا بيد أشخاص آخرين وهم ما يسموا ب" Reviewers" ونختزل كل الاجراءات والتعليمات برايهم. ودمتم