دفاعا عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني
جمال القيسي
27-04-2024 12:55 PM
ما يزال يتردد في الشارع السياسي الأردني، أصداء الندوة السياسية التي انعقدت، الاثنين الماضي، في مؤسسة عبد الحميد شومان، بعنوان "مستقبل الأحزاب في الأردن" وضمت كلا من الأمينة العامة للحزب الديمقراطي الأردني الأستاذة الرفيقة سمر دودين، والأمين العام لحزب الميثاق د. محمد المومني، ومدير مركز الحياة "راصد" د. عامر بني عامر، وبإدارة الصحافي مالك العثامنة؛ تلك الأصداء التي ترسخت في وجدان الكثير من المهتمين والمتابعين، وأثارت المزيد من التساؤلات حول الجدوى السياسية التي تعِد بها أحزابُنا مستقبلَ البلاد، ونحن بين يدي أول اختبار في مساق التحديث الذي ستمتحن فيه هذه الأحزاب صيفا. هذا الاختبار الحقيقي، اللاهب في الجدية، والدقيق في طرح أسئلة وطنية مشروعة من داخل "المنهاج الأردني" لا من دوسيهات وأجندات الآخرين!
والحقيقة أن الأصداء الإيجابية، وردود الأفعال الإيجابية التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، وحظيت بتفاعل ومشاركات واسعة كانت نتيجة طبيعية للأداء السياسي اللافت لأمينة عام الحزب الديمقراطي الاجتماعي سمر دودين، وهي تطرح الأفكار الكبيرة، وتحرك المياه الراكدة، وتلامس جراح الوطن بمبضع الجراح، وتثير عاصفة من إشكالات الأزمات المتراكمة المسكوت عنها، وفي الوقت نفسه، لم تغفل عن جرعة الأمل!
أبدعت سمر دودين كأمينة عامة في تقديم رؤية الحزب ومبادئه، وأشارت إلى عقد مستعصية في أكثر من منشار! دافعت عن مبادئ الحزب، الأردني ابتداء وانتهاء، وسعي الحزب نحو تحقيق نموذج الديمقراطية الاجتماعية حيث مفاهيم "العدالة والتضامن والحرية"، هي مبادئ تتفق ووطنية كل منتم للحزب كمواطن يسعى للتغيير، في زمن بات فيه النقاش بموضوع الهوية يتحدد بالعمل، لا بالمزاودات الكلامية في استعراض منسوب الوطنية، أو من خلال النفخ في قربة الاتهامات الجزافية الساذجة للصوت اليساري الوطني بالانتماء الأيديولوجي لغير مملكتنا الأردنية الهاشمية.
كانت سمر دودين، تغرف من بحر زاخر بمعان لا تتطرق لها الأحزاب في الأردن، من حيث الدفاع عن قيمة "المواطنة" كحق دستوري راسخ أصيل، ولفتت إلى ضرورة وجدية تعامل الحكومات مع المواطنين كأفراد لا كمجاميع بشرية، مشددة على أن الهويات الفرعية لها مكانها المجتمعي، ومكانتها المجتمعية، وسياقاتها التاريخية، لكن علاقة الدولة بمواطنيها ينبغي أن تحكمها فكرة "المواطنة"، والمواطنة بالنتيجة تتضمن المساواة، والمساواة تحقق العدالة بالضرورة.
لقد اعترض الصديق مالك العثامنة في مقالة له على إشارة دودين في الندوة لحكومة سليمان النابلسي كحالة أردنية ديمقراطية، ومع التقدير والاحترام، لوجهة نطره في تلك الحكومة، وما يراه منها وما أخذه عليها، إلا أن اعتراضه جاء في غير محله من الإعراب الإعلامي؛ حين ربط الندوة بتلك الحكومة، فقد جاءت العجالة التي ذكرتها دودين في معرض الاستشهاد بتشكل الحكومة البرلمانية الأولى كنتيجة سليمة مرجوة للعمل الحزبي النيابي النزيه والشفاف في تاريخ البلاد.
لقد ترك الصديق فيض التنظير السياسي المتدفق من حديث سمر دودين، وما جادت به بداهتها الحزبية الحاضرة والمتقدة، من تأطير حقيقي لمبادئ الحزب وهي "العدالة والحرية والتضامن"، وذهب إلى ربط الإشارة الخاطفة لحكومة النابلسي، وما يراه فيها من ارتباط وتبعية بالخارج، بما يشكل ذلك الربط، من إغفال لحقيقة الحزب الديمقراطي الاجتماعي كحزب أردني الهوى والهوية حتى النخاع، وما هو عليه الحزب من اشتباك حقيقي في واقعنا المحلي من خلال تشخيص الأمراض المزمنة في اثنين وعشرين من القطاعات الحيوية التي تمس حياتنا كمواطنين، وقيام الحزب الديمقراطي الاجتماعي بتقديم الحلول والرؤية، والخطة الملائمة لكل قطاع بوصفات علاجية ناجعة، نهض بها عشرات الخبراء الأفذاذ من قيادات وكوادر الحزب ومن خارجه.
كل ذلك أبديه مع التأكيد على أن هذه المقالة جاءت دفاعا عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وليست ردا على الصديق مالك العثامنة الذي اعترض في الندوة على استخدام دودين لمفردة "النضال" وتعبير "الرفاق والرفيقات"!
حقيقة لم أفهم سبب الاعتراض!
فهل النضال كلمة غير وطنية وغير أردنية، ولا يحق لنا كأحزاب يسارية استخدامها، ويراها البعض حقا حصريا في أدبيات التنظيمات المسلحة؟! وكذلك الأمر في ما يتعلق بمفردات صيغة النداء والمخاطبة الإنسانية بين أعضاء وعضوات الحزب "الرفاق الرفيقات".
لم أستوعب بعد تلك الحساسية التي تصيب من تصيبه عند سماع كلمة رفيق أو رفيقة؟!
قد أتفهم ردة فعل الحزبيين من الإسلاميين على تعبير رفيق ورفيقة حيث وجه اعتراضهم أن مفردة (الأخوّة) أولى بالانتشار ، والمسلم أخو المسلم، والأخ أهم من الرفيق.. إلخ، وغير ذلك مما لا مجال لذكره، ولا داعي لمناقشته. لكني لم أفهم سبب اعتراض مالك العثامنة كصحافي حداثي مستقل وإعلامي جاد على الرفاقية كحالة تضامن سياسي، وتعبير له تاريخه الراسخ الذي ما يزال ساريا على أعلى المستويات التنظيمية الحزبية في العديد من دول العالم مثل روسيا والصين وكوبا وغيرها حيث تتم مخاطبة رئيس الدولة بلقب "رفيق" من باب التقدير والإجلال لاسيما في الاحتفالات التاريخية السنوية التي تمجد المنجزات السياسية والاقتصادية والثقافية.
الأولى، سياسيا، في هذه المرحلة من عمر الأحزاب التي نبحث في مستقبلها، أن نشد الأنظار نحو المبادئ والبرامج والخطط الكفيلة بتحقيق ما ينفع المواطن الفرد، والوطن الصامد في وجه الريح القادمة تارة من الشمال. ومن الشرق هبت علينا، وقد أرادها آخرون أن تهب علينا حتى من الغرب!
علينا أن نعترف أن مستقبل هذه الأحزاب بيدها بعد أن انطلقت صافرة السباق الانتخابي والميدان مفتوح لمن سعى، وأن سعيه سوف يُرى.
لن تفوز في العَدْو ومسابقة الريح غير الخيول الأردنية الأصيلة، العادياتِ ضَبْحا بعرق العمل، المورياتِ قدحا برايات التميز. المثيراتِ نقعا لثرانا لا لسواه، الواسطات جَمْعا نحو صف وطني واحد وحدوي أردني ديمقراطيٍ متحدٍ صلبٍ, لا يجامل ولا يهادن ولا يميل ولا يبتزه أحدً ولا يلين!