يقول مؤلف كتاب الذكاء الاجتماعي كارل ألبريخت بإن الإنسان يحتاج إلى العديد من المهارات الحياتية ليتمكن من العيش بحياة طبيعية، وبنفس الوقت ليتمكن من التكيف بالتعامل مع الأخرين المحيطين به سواء على صعيد الأسرة والوظيفة والمجتمع وبطريقة يسودها حسن التصرف والبصيرة وبذكاء، وخاصةٍ في ظل الظروف والتحديات المعيشية المحيطة، ناهيك عن المواقف والمغالطات الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والتي تُفرض نفسها على الإنسان على أعتباره فرداً فاعلاً ولا يمكن عزله عن الأخرين وذلك إنطلاقاً من نظرية التفاعل الإنساني مع المحيط الاجتماعي.
ويرى كارل بإن المهارات الحياتية هي الحل المثالي لمعالجة العديد من مشاكل البشر، والتي تُعد في حقيقة الأمر من المهارات الملحة لحياة البشر لنتمكن من التفاعل مع الأخرين وبذكاء، والتكيف مع ظروف الحياة ومتطلباتها للأبتعاد عن الوقوع في دهاليز منغصات الحياة ومطباتها والتي في الغالب لا يحمد عقباها. ومن هنا نتسأل وبواقعية هل فعلاً معظم مشاكلنا الحياتية ينقصها هذه المهارات؟ وبعيداً عن الانتقاد ومن باب المشاهدات لكثير من مشاكلنا لوجدنا في الغالب بإن غياب تلك المهارات كانت من أسباب تضخيمها لا بل نجد أنفسنا في كثير من الحالات في مستنقع الصراع النفسي والشخصي والخلاف الاجتماعي مع الأخرين في بيوتنا ومع أسرنا وأصدقاءنا وأقاربنا وزملاء العمل وغيرهم بالرغم من أمكانية تجاوزها حال توافر تلك المهارات وتجاوزها بذكاء أو بدبلوماسية ذاتية.
وليس بعيداً عن واقعنا المعيشي والاجتماعي للعديد من الحالات والمواقف والتي لا ينكرها أحد كانت ناتجة عن النفاق، والنميمة، والثرثرة المفرطة، والخوض بالحديث وبتزمت، وحب الظهور والهيمنة في أطار لغة الأنا، وفرض الرأي، والنقد غير البناء، وحب إثارة الجدال المفرط ، والابتعاد عن الالتزام بالقواعد الأدبية للتعامل مع الأخرين مما تجعل حياتنا بمجملها بعيدة عن الأطار المفاهيمي العام لنظرية التفاعل الأنساني والذي ينادي بها العديد من المفكرين والعلماء من ذوي الاختصاص مع الالتزام بمفاهيمها وقواعدها لضمان علاقات أنسانية قائمة على الاحترام والتقدير المتبادل ما بين الجميع.
قد نتفق إلى حدٍ كبير بإننا بحاجة إلى تلك المهارات الحياتية وبغض النظر إلى مستوانا التعليمي والثقافي ومكانتنا الاجتماعية وغيرها لتجاوز العديد من مشاكلنا والصراعات أو النزاعات الشخصية مع الأخرين والتي شكلت لنا مواقف محرجة وبشكلٍ خاص عندما لا نستخدم أو لا نختار الكلمات المناسبة في حديثنا وحواراتنا مما قد تفرز ثقافة معقدة تحول الإنسان إلى شخصية معقدة تتسم بسمات قد تُعيبه لا بل قد ترسم سمة عامة غير محببة قد تطغى علينا والتي قد تخالف مظاهر التحضر الإنساني.
ومن هنا نرى بإن التعايش الإنساني والاجتماعي الذي نتطلع اليه وبأجمل صوره يتطلب منا التحلي بهذه المهارات الحياتية الذكية لممارستها ضمن أطار سلوكنا الشخصي والعام للتخلص من مأزق النزاع الفكري مع الأخرين، مع التركيز على الحوار والنقد البناء ضمن أطار قواعد أداب الحوار، وبنفس الوقت نرى بإن ترسيخ هذه المهارات المهمة لحياتنا هي مسؤولية الجميع وبشكلٍ خاص المؤسسات التعليمية بحيث تكون من أهم مدخلات المنظومة التعليمية في التعليم الاساسي والجامعي ومناهجها بإعتبارها مصانع للأجيال فكرياً ومعرفياً وسلوكياً ليكونوا نواة لبناء ثقافة مجتمعية يسودها مفاهيم مهارات الذكاء الاجتماعي إنطلاقاً من علاقاتنا بالأخرين ولنكون قادرين على التكيف والتفاعل مع ظروف الحياة وتعقيداتها وبذكاء متطلعين إلى بناء مجتمع يسوده علاقات إنسانية وإجتماعية ذكية يحكمها فن الحوار والقائم على الاحترام المتبادل والاخلاق الحميدة لخدمة ديمومة تلك العلاقات ما بين الجميع.