facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




كيف يصمد الأردن؟


د. جواد العناني
25-04-2024 11:33 AM

تصدَّرت هذه الأيام عبر الإنترنت ووسائل الإعلام التقليدية مقالات وتصريحات كثيرة حول الأردن، خاصة بعد حوادث تبادل الرشقات الصاروخية والمسيرات بين إيران وإسرائيل، وقيام طائرات أردنية بإسقاط بعضها فوق سماء المملكة وقبيل وصولها للأراضي الإسرائيلية.

ومن جملة هذه الأدبيات، مقابلة تلفزيونية مع السياسي اللبناني وئام وهاب، رئيس "حزب التوحيد العربي"، وهو سياسي من منطقة الشوف وينتمي للطائفة الدرزية، الذي قال في تلك المقابلة إن الأردن هو أكثر الدول العربية التي تواجه ظروفاً صعبةً بسبب اصطفافه مع إسرائيل ضد إيران، ولذلك سيرى الأردن نفسه مستهدفاً من إيران من ناحية، ومن الإسرائيليين ليكون وطناً بديلاً للفلسطينيين من ناحية أخرى.

ووئام وهاب على خلاف دائم مع زعيم الطائفة الدرزية وليد جنبلاط، وهذا الأخير بدوره تجمعه علاقة قديمة بالأردن، ومنذ أيام المرحوم والده كمال جنبلاط (مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي)، وكثيراً ما سمعنا عن تبادل الطرفين النقد اللاذع عبر وسائل الإعلام اللبنانية. ولذلك، فإن تصريحات وئام وهاب عن الأردن لن تكون موضوعية وصادرة عن تحليل منطقي مُحايد.

رغم المخاطر المحيطة بالأردن منذ نشأته عام 1921، أثبت أنه أكثر الدول العربية أمناً واستقراراً، ولأن قلبه يتسع لكل العرب الساعين إليه كموئل أو ملاذ آمن

الأردن يتحمل كثيراً من الأعباء عن إخوانه العرب. ولو تأملنا في مقدار ما تحمله الأردن منذ عام 1975 وقت انفجار الحرب الأهلية في لبنان، مروراً باحتلال العراق للكويت، ومن بعدها حرب الخليج الأولى في شهر يناير/ كانون الثاني من عام 1991، ومروراً باحتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، ثم اندلاع الربيع العربي عامي 2010/ 2011 في تونس وسورية واليمن وليبيا وغيرها، لرأينا أن الأردن وسع أبوابه لاستقبال الملايين من الأشقاء العرب الذين يأتون إليه، لا لأنه ثري وغني بالموارد، ولا لأن موقعه الجيوسياسي أقل من هذه الدول تهديداً، بل لأنه رغم ندرة موارده وكفاحه الدائم بقي واقفاً ورأسه فوق الماء.

ورغم المخاطر المحيطة به منذ نشأته عام 1921، أثبت أنه أكثر الدول العربية أمناً واستقراراً، ولأن قلبه يتسع لكل العرب الساعين إليه كموئل أو ملاذ آمن.

وتقدر الأرقام بأنه أتى من لبنان إبان الحرب الأهلية أكثر من 80 ألف شخص، وبعد احتلال الكويت عاد إليه 300 ألف شخص عدا عن حوالي مليون عامل أجنبي سكنوا صحراءه انتظاراً لانتهاء ذلك الاحتلال. ولجأ إلى الأردن بعد احتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003 أكثر من 100 ألف شخص من العراق.

وإبان الربيع العربي أتى إلى الأردن 1.4 مليون شخص من سورية وحوالي 70 ألفاً من ليبيا واليمن. وما زال كثير من هؤلاء فيه. لقد ارتفع سكان الأردن منذ عام 2011 من نحو سبعة ملايين نسمة إلى 12 مليون نسمة عام 2024، أي بزيادة تساوي خمسة ملايين نسمة، منهم مليون أردني، والباقون لاجئون.

وإذا نظرنا إلى علاقات الأردن الاقتصادية مع الدول العربية، فسنلاحظ أن تجارة الأردن الخارجية مع الدول العربية الأخرى تشكل 46% من مجموع تجارته الخارجية، وأن علاقاته العمالية والخدمية الأخرى والاستثمار والقروض تشكل أكثر من 50% من تجارة الأردن وتبادلاته في هذه المجالات. ولذلك، فإن تأزم الأوضاع الاقتصادية في الدول العربية المجاورة ينعكس على الأردن فوراً.

خسارة الأردن في تعاملاته الاقتصادية مع سورية ومصر ودول الخليج تعادل حوالي سبعة مليارات دولار سنوياً فوق ما يجب أن تكون عليه بسبب تعطل تجارة الترانزيت

وفي دراسة أجريتُها أخيراً، تبين لي أن خسارة الأردن في تعاملاته الاقتصادية مع سورية ومصر ودول الخليج تعادل حوالي سبعة مليارات دولار سنوياً فوق ما يجب أن تكون عليه بسبب تعطل تجارة الترانزيت، وتراجع التبادل المباشر وزيادة تهريب المخدرات، وزيادة الإنفاق العسكري، وتراجع المساعدات الدولية ذات العلاقة باللاجئين، والخسائر المترتبة على الأردن بسبب تعثر المساعدات المقدمة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أو UNRWA.

وبالطبع، فإن الحرب على غزة جلبت معها إلى الأردن خسائر كبيرة، مثل التراجع الكبير في السياحة، وارتفاع أسعار النفط وأسعار الفوائد، وخاصة أن الأردن بحاجة إلى إعادة تدوير قروضه الخارجية بنسب فوائد أعلى مما كانت عليه في السابق، وبسبب حاجته لمزيد من هذه القروض الأعلى كلفة بسبب زيادة العجز في الموازنة العامة الحكومية الذي قارب ثلاثة مليارات دولار سنوياً.

والكل يعلم أن الأردن يعاني باستمرار من أطماع الإسرائيليين المتطرفين الراغبين ليس في احتلال الأردن وحده، وهم ما زالوا يحتلون أراضي لبنانية، ووقع لبنان برضا الأطراف المقاومة فيه على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل لتقاسم الغاز في البحر المتوسط، والذي يبدو أن الكميات المتاحة فيه أقل بكثير مما كان يعتقد قبل ترسيمها.

وكذلك ضمت إسرائيل تحت سمع الدنيا وبصرها الجولان السوري، بينما أثمرت جهود الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني بدعم من رفاقه العرب بتأجيل ضم منطقة وادي الأردن الفلسطينية إليها. وكذلك رفض الأردن تمديد اتفاقية استثمار منطقتي الغمر والباقورة مع إسرائيل رغم الضغوطات التي مورست عليه.

والأردن رغم كل اعتداءات المستوطنين ومحاولات الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية الراهنة، ما زال يضغط لمنعهم من تبني إجراءات داخل الأقصى. وقد نجح في صد كثير منها، وبخاصة تلك التي تنطوي على تدخلات دائمة. ولكنه لم يتراجع يوماً عن دفع أجور حراس الأقصى وإعماره وإصلاح ساحاته، ولا في دعم المدرسة العمرية، أو صيانة الأوقاف الإسلامية.

الأردن يدافع عن حق الشعب الفلسطيني، ويفتح الأبواب له، وهو رئة الفلسطينيين في الضفة المحتلة، والفاتح لهم كل أبواب التعاون في كل المجالات السياسية والاقتصادية

وهو يقف صفاً متراصاً مع الكنائس في القدس لكي يحميها من التطاول الإسرائيلي ومن أفعال خريجي المدارس التلمودية المتطرفين ومن الاعتداء على المواقع الإسلامية بالتعاون مع الغيورين من أشاوس أهل القدس والخليل.

والأردن هو الذي يرسل المساعدات الطبية إلى المستشفيات الفلسطينية وإلى المستشفيين الأردنيين في غزة، وإلى المستشفى الأردني في نابلس، وهو الذي رتب إرسال مئات الطائرات محملة بالمساعدات الإنسانية، وهو الذي جهز أكثر من 200 شاحنة حتى الآن وأرسلها إلى غزة.

والأردن يدافع عن حق الشعب الفلسطيني، ويفتح الأبواب له، وهو رئة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، والفاتح لهم كل أبواب التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والعلاجية والثقافية والتعليمية.

ومن المفيد أن نتذكر هنا أن أول رئيس للوزراء في الأردن كان درزياً واسمه رشيد طليع، المولود في لبنان عام 1877، والثاني هو مظهر رسلان، من مواليد سورية، والثالث رضا الركابي، من مواليد دمشق عاصمة سورية، ومن بعده عاد مظهر رسلان ثم من بعده كان حسن خالد أبو الهدى من فلسطين. وللمداعبة نقول للسيد وئام وهاب إن اسم حزبك هو "حزب التوحيد العربي"، أوليس الأردن في سلوكه هو الأكثر عروبة وانسجاماً مع مبادئ حزبك، فاتق الله فينا.

الأردن ليس دولة كرتونية، كلما هبت عاصفة عليها تقوضت أركانها. نحن أكثر دولة عربية ثباتاً واستقراراً. ولا يأتي هذا الاستنتاج من فراغ، بل لأنه واجه منذ نشأته تحديات كباراً، وتعرض لهجمات شرسة، ولكنه رغم كل ذلك كان من أكثر الدول العربية أمناً واستقراراً لأنه أكثرها عروبة ليس بالادعاءات الفخفاخة، ولا بالاعتداء على الآخرين، بل لأنه ذكي في إدارته ومرن في معاملته للجيران والمؤثرين عليه.

لا خوف علينا في الأردن من إسرائيل ولا من إيران. وعلمتنا الأيام وصعوباتها كيف نحمي أنفسنا من العدو وأحياناً من الحليف

وبالنسبة للإخوة في جمهورية إيران الإسلامية، فنحن أقرب إليهم في الأردن بحكم أن حكام الأردن هم من بني هاشم، والذين تشيّع أهل الشيعة لهم. وما صبرنا كل هذا الصبر، ولا صمدنا في الأردن كل هذا الصمود إلا لأننا أصحاب خلق ومبادئ. ولقد صدرت عنا عام 2005 رسالة عمان، بمبادرة من الملك عبد الله الثاني ورعاية كريمة منه، وأتت نتيجة لمداولات بين 200 من العلماء الأجلاء من كل الطوائف الإسلامية. وعَرَّفت الرسالة من هو المسلم، ووضعت قواعد للتكفير تقلل من استخدامه، واشتملت على قواعد لإصدار الفتاوى الشرعية، ونادت بالوسطية منهجاً للإسلام، لا غلواء ولا إفراط أو تفريط.

لا خوف علينا في الأردن من إسرائيل ولا من إيران. وعلمتنا الأيام وصعوباتها كيف نحمي أنفسنا من العدو وأحياناً من الحليف.

العربي الجديد





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :