قالت: لا تخرج وحدك لسنابل المطر يا مجنون. ما من حصاد إلا البرد، ونقص في ثمرات الحب. حينها عرفت أنك تشتعلين غيرة هناك. وحين جلجلت في الهاتف: هذا مطر نيسان، مخادع، يدخل بين الأزرار وفي المفاصل، ويراقصك مثل شجرة الريح. فشعرت أنك قد لبستِ معطفك، وأنك في الطريق.
قبل ألف عام، أو يزيد، قلت لك: مجنونان لا يجتمعان على صحن عشق وحيد، فأما أنت، أو المطر!!. فخذي جنوني من جذوره، ودعيني لمطري هذا المساء. دعيني أستجمعك في غيابك الحاضر، دعيني أعيد ترتيب الأشياء بيننا. لا أريد أن ألعق كل قطرة مطر تعلق برمشك. تعرفينني كم أغار.
ذات نيسان بعيد، انتظرك في مظلتي سنتين، لست متأكداً، ربما أكثر من سنتين، كانت ساعة يدي سارحة، لا أعرف كيف وأين. المهم انتظرتك كي تمري برأس شارعنا، تأخرت كثيراً، لكني كنت أعرف أنك ستخرجين للمطر، يا مجنونتي الصغيرة. وحين وصلت مخفورة بسحابة عطر، نفثت غيمة بخار في وجهي، تضببت نظاراتي. فطويت مظلتي، واندغمك بشالك الأحمر!.
حين كنا نمر كانت تتبخر العصافير، لفرط حرارتنا. مسكينة هذه العصافير. وكنت أسمع هسيس أشجار السرو ترف بأغصانه لتقطر الذي خزنته لنا من المطر. كأنها تريد أن تبردنا. اليوم صرت تلومين جنوني، أيتها العاقلة، هل كبرت بما يكفي كي تكفي عني، وعن جنوني؟!. كأنك نسيت حين أفلت شعرك لأصابع المطر يمشطك. فقلت لك: أصابعنا العشرون، أنا والمطر، لن تكفي لتسرّح هذا الليل الطويل. فلفتك برمشي حينها. وبعدها ضربتك نوبة رشح امتدت أسبوعين.
مثل طفل يفتح فمه للسماء. أو بيلسانة تغني عبيرها لدغدغة المطر. أو مثل نوّارة ليمون دخلتها قطرة ماء، فاشتاط جنون عطرها، فهاجت أسراب النحل هناك. هكذا أنا اليوم: بيلسانة، وخلية نحل، وطفل على عطش!!.
من أول الأمر قلت لكِ: الشتاء عنيد مثلي، سيبقى على قيد المطر، حتى آخر رمق فيه. فيرن هاتفي في جيبي. تهمسين مرتعشة: أين أنت حبيبي؟!: فاقول لك: لقد تأخرت كثيراً (المطر بح، خلص). فيأتي صوتك مبلولاً من خلفي. يطوقني بشالك الأحمر: أحبك يا جنوني الوحيد.
(الدستور)