نهاية رومانسية الثورات العربية
باتر محمد وردم
07-04-2011 04:58 AM
بعد حوالي شهرين من انتهاء العرض الدرامي والعاطفي الهائل للثورة المصرية في ميدان التحرير والتي انتهت بتنحي الرئيس السابق حسني مبارك ودخول مصر في عهد جديد غير معروفة ملامحه النهائية بعد، يمكن أن نراجع الحالة في العالم العربي ونستنتج بأن البعد الرومانسي للثورات العربية بدأ يتراجع بشدة وربما لن نجد تكرارا للسيناريو المصري-التونسي في أية دولة عربية تالية.
تبدو اليمن هي الدولة الأقرب الآن إلى المسار المصري-التونسي من خلال إضطرار الرئيس إلى التنحي ونقل السلطة إلى قيادة جديدة انتقالية، ولكن العامل الحاسم الذي أخر هذا التغيير في اليمن هو بقاء الجزء الأكبر من الجيش إلى جانب الرئيس اليمني والذي لا يزال بعكس الرئيسين التونسي والمصري يحظى ببعض الدعم الاجتماعي والسياسي من قواعده المقربة ولا يزال قادرا على تسيير مظاهرات مضادة في عرض مستمر لقوة الشارع في مقابل الحركات الشعبية. ولكن مصير السيد علي عبد الله صالح محتوم وكلما أسرع في نقل السلطة تمكن من تجنيب الشعب اليمني فاتورة دم باهظة خاصة أن المحتجين اليمنيين أثبتوا حتى الآن إنضباطا يثير الإعجاب في الالتزام بسلمية الاحتجاجات بالرغم من القمع الدموي من السلطة وبالرغم من حقيقة تواجد السلاح بنوعيات خطيرة وكميات كبيرة بين إيدي اليمنيين ولكن احتمالات استمرار الإنضباط تتراجع مع استمرار تمسك الرئيس بالسلطة وزيادة معدلات القمع من قبل أجهزة السلطة الأمنية الموالية للرئيس.
في البحرين كانت تجربة «الثورة» قصيرة وقاسية وأثر عليها بشكل كبير العنصر الطائفي. في البحرين لا ينكر أي منصف ومحب لهذا الشعب العربي المهذب والخلوق بأن هنالك حاجة إلى إصلاحات جذرية في مسألة حقوق المواطنة والحقوق السياسية، ولكن إدارة الحراك الشعبي من قبل بعض رموز المعارضة أضرت بها حيث كان هنالك تصعيد غير مبرر وإصرار على «رفض الحوار مع النظام» وتم رفع شعارات واضحة لأسقاط النظام، كما بدأت تنتشر حالات من العنف الاجتماعي الطائفي في المدارس والتجمعات السكانية وتعاملت السلطة بقسوة مع هذه التظاهرات. وفي نفس الوقت كان واضحا لكل ذي بصيرة أن دول مجلس التعاون الخليجي لن تسمح بتغيير النظام في البحرين بطريقة طائفية، وفي نهاية الأمر دفعت المعارضة البحرينية ثمنا كبيرا لهذا الحراك وباتت الآن تطالب بعودة الحوار مع النظام ولكن من موقع أضعف ما كانت عليه قبل شهرين تقريبا.
الوضع في ليبيا يمزق القلوب، فقد بدأت الدولة تنهار وتتحول الأرض الليبية إلى ساحة لسلاح منفلت وصراع قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للبلاد. لا يمكن لأي دولة تنتشر فيها فوضى السلاح أن تنتقل نحو مرحلة أكثر تقدما من المدنية وهذا ما حدث في العراق بعد الغزو الأميركي وفي عدة دول أخرى في العالم. الحسم العسكري لصالح أحد الطرفين يبدو بعيد المنال في هذه الظروف من التوازن العسكري والسياسي وفي حال لم يتم إزاحة القذافي من الصورة بطريقة ما وبسرعة سوف تسقط ليبيا بشكل أعمق في مستنقع العنف والتقسيم والفوضى ويصبح التدخل الخارجي على الأرض أمرا حتميا خاصة مع وجود المصالح الكثيرة المرتبطة بالنفط الليبي وإنتاجه وتسويقه وقد بدأت بالفعل العقود التجارية بالظهور وأولها عقد تسويق النفط الليبي ما بين حكومة قطر التي تشارك في العمليات العسكرية الدولية وما بين حكومة المجلس الإنتقالي في بنغازي.
الوضع في سوريا يثير القلق بشدة، وقد أصيب السوريون والعرب بالإحباط من خطاب الرئيس الأسد الأخير والذي لم يقدم رؤية واضحة ولا التزاما حقيقيا بالإصلاح حيث لا يزال العنف في الشارع مستمرا وسقوط الضحايا من المحتجين لا يتوقف، بينما تقوم السلطات السورية باتهام جهات خارجية كثيرة بالوقوف وراء مؤامرة تستهدف سوريا. وما يثير الخوف ايضا بأن هنالك أبعادا طائفية خطيرة في سوريا في حال لم يتم التعامل مع مطالب المحتجين ومع حقوقهم في الحريات العامة بالطريقة السليمة.
اليمن هي الدولة العربية الوحيدة التي تسير في طريق يتقارب مع مصر وتونس ولكن في كل الدول الاخرى هنالك مظاهر ومخاطر للصراعات الداخلية الطويلة وعلى كل السلطة والمعارضة معا في كل هذه الدول أن تتميز بالحكمة والإخلاص لتحقيق الاهداف السياسية والاقتصادية المشروعة للشعوب العربية بدون اللجوء إلى خيارات العنف والقمع والتي ستدمر الدول ولن تحقق اي تقدم نحو الأفضل.
batirw@yahoo.com
(الدستور)