غوتيريش وحل النزاع الأرميني الاذربيجاني
السفير الدكتور موفق العجلوني
22-04-2024 09:46 AM
دعا الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش كل من أذربيجان وأرمينيا إلى حل جميع القضايا الثنائية المتبقية لتطبيع العلاقات بين البلدين، حيث رحب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في ١٩ أبريل/نيسان بين اللجان الحكومية المعنية بترسيم الحدود الدولية بين أرمينيا وأذربيجان. والى ضرورة مواصلة ترسيم وتحديد الحدود المتبقية وحل جميع القضايا الثنائية العالقة من أجل تحقيق التطبيع الكامل للعلاقات. جاء حديث الأمين العام للأمم المتحدة بعد ان عُقدت اللجنة الحكومية المشتركة لترسيم الحدود الدولية بين جمهورية أذربيجان وجمهورية أرمينيا ولجنة ترسيم الحدود الدولية والأمن الحدودي بين جمهورية أرمينيا وجمهورية أذربيجان اجتماعها الثامن على الحدود بين البلدين، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء الأذربيجاني شاهين مصطفايف ونائب رئيس مجلس الوزراء الأرميني مهر غريغوريان. وقد تم التوصل في الاجتماع إلى اتفاق بشأن إعادة أربع قرى في منطقة غازاخ إلى أذربيجان.
من خلال تجربتي كمستشار سياسي في مركز الدراسات الاستراتيجية لدى رئيس جمهورية أذربيجان خلال العام ٢٠١٦ في العاصمة باكو، واطلاعي على مجريات الاحداث بين البلدين، علاوة على عملي كسفير للأردن في اوزباكستان و سفير للأردن غير مقيم في أرمينيا خلال الاعوام ٢٠١٠ - ٢٠١٣ ، تعود جذور الصراع بين الأرمن والأذربيجانيين إلى العديد من العوامل التاريخية والثقافية والسياسية. حيث تشمل هذه العوامل الصراعات القومية، والمناطق الجغرافية المشتركة، والنزاعات الدينية، والتأثيرات الاستعمارية.
وأكاد اجزم من خلال الأبحاث والدراسات التي قام بها مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، تعود أبرز النقاط في الصراع بين الأرمن والأذربيجانيين إلى النزاع حول إقليم ناغورني قره باغ (قرة باغ)، الذي يعتبر جزءًا من أذربيجان ولكن يسكنه أغلبية أرمنية، أدى هذا الصراع إلى حرب نزاع طويلة في الفترة من عام ١٩٨٨ إلى عام ١٩٩٤، و إلى مقتل الآلاف من الطرفين ونزوح المئات من آلاف الأشخاص وتدمير الممتلكات.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام ١٩٩١، أعلنت جمهورية ناغورني قره باغ استقلالها بدعم من أرمينيا، وهو ما أدى إلى تصاعد التوترات بين الجانبين. استمرت الصراعات المسلحة والخلافات الحدودية والانتهاكات لوقف إطلاق النار في السنوات التالية، مما أثر سلباً على الاستقرار في المنطقة. وعلى الرغم من بعض الجهود الدولية لحل النزاع وتحقيق السلام، مثل مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تتوسط في الصراع، إلا أن التوترات لا تزال قائمة وتتطلب حلاً شاملاً ومستدامًا يتضمن توافقًا من الطرفين ودعمًا دوليًا قويًا.
ونظراً للموقع الجيوستراتيجي لمنطقة الصراع، هنالك مصالح متداخلة لكل من روسيا وأمريكيا وتركيا وإيران. حيث تدخلت روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا في النزاع بين الأرمن والأذربيجانيين بأشكال مختلفة، وكل دولة لها دورها الخاص في تأثير الصراع وتوجيه السياسات والتصرفات، والتي تتمثل بالمعطيات الدولية التالية:
تعتبر روسيا لاعبًا رئيسيًا في المنطقة ولديها علاقات تاريخية واقتصادية وعسكرية مع كل من الأرمن والأذربيجان. وتشارك روسيا في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والتي توسط في النزاع بين الجانبين. تمتلك روسيا علاقات قوية مع أرمينيا وتعتبرها حليفًا إستراتيجيًا، وتوفر لها الدعم العسكري والسياسي. تحافظ روسيا على وجود عسكري في المنطقة من خلال قوات حفظ السلام التابعة لها في إقليم ناغورني قره باغ.
بالمقابل تهتم الولايات المتحدة الأميركية بالاستقرار في المنطقة وتؤيد حل النزاع بشكل سلمي وفقًا للقانون الدولي، على الرغم من أن الولايات المتحدة ليست لديها تأثير مباشر في النزاع، إلا أنها تعمل عبر مجموعة مينسك وبوساطة الدبلوماسية الثنائية للتأثير في الصراع وتشجيع الحلول السلمية.
بالمقابل، تراقب إيران الصراع بقلق بالغ نظراً لتأثيره المحتمل على الاستقرار في المنطقة ولوجود أقلية عرقية أذربيجانية داخل إيران. وبالتالي تسعى إيران إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كل من الأرمن والأذربيجان، مع الحرص على عدم التدخل بشكل مباشر في النزاع بينهما.
أما تركيا، فتعتبر شريكاً استراتيجياً وداعمًا قويًا لأذربيجان وتساند حقوقها في النزاع، وترى نزاع ناغورني قره باغ على أنه جزء لا يتجزأ من سيادة أذربيجان. وتتبنى تركيا موقفًا صارمًا تجاه الصراع وتدعو إلى حل سلمي وفقًا للقانون الدولي، ولكنها تتجنب التدخل المباشر في الصراع بسبب علاقاتها المعقدة مع كل من روسيا وأرمينيا.
وبالتالي تتدخل هذه الدول في النزاع بأشكال مختلفة وحسب مصالحها، ويمكن أن يلعب التعاون الدولي والدبلوماسية الفعّالة دورًا هامًا في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
و تأتي دعوة الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس كل من أذربيجان وأرمينيا إلى حل جميع القضايا الثنائية المتبقية لتطبيع العلاقات بين البلدين لحل للنزاع بين الأرمن والأذربيجان لما لهذا التطبيع من تأثيرات إيجابية كبيرة على مصالح البلدين ، لا بل انعكاسات إيجابية على المنطقة سياسياً و امنياً و اقتصادياً .حيث يمكن للحل الدائم للنزاع أن يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة، مما يسهم في جذب الاستثمارات وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.بنفس الوقت يمكن للتحسين في الأوضاع الأمنية أن يفتح الباب أمام تطوير البنية التحتية وتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين الأرمن والأذربيجان.
بنفس الوقت يؤدي هذا الاتفاق إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية بين الأرمن والأذربيجانيين، مما يسهل التفاهم والتعاون في المجالات المختلفة مثل السياسة والأمن والثقافة والتجارة. ويمكن للحل النهائي للنزاع أن يساهم في بناء الثقة وتعزيز التفاهم المتبادل بين الشعبين، مما يخلق بيئة أكثر استقرارًا وتعاونًا في المنطقة. علاوة على ذلك قد يتيح الحل النهائي للنزاع الفرصة لتحسين الظروف الاجتماعية والثقافية للسكان في المناطق المتأثرة، مما يساهم في تعزيز التنمية المستدامة ورفاهية الشعب. وبشكل عام، يمكن أن يكون حل النزاع لصالح البلدين عبر تحقيق السلام والاستقرار، والتي تسهم في تحقيق التقدم والرخاء للشعبين.
وحقيقة الأردن منذ بداية الازمة بين اذربيجان وأرمينيا كان على مسافة واحدة من البلدين، وتربطه علاقات طيبة في كل من أذربيجان وأرمينيا، وكان يدعوا دائماً الى أهمية التهدئة وضبط النفس ووقف إطلاق النار وحل النزاع سياسيا وبالطرق السلمية عبر المفاوضات ووفق قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية ذات الصلة، وحل النزاع عن طريق الحوار والتفاهم بين البلدين الجارين. وقد اقترحت اثناء وجودي في باكو كمستشار سياسي في مركز الدراسات الاستراتيجية لدى رئيس جمهورية أذربيجان خلال العام ٢٠١٦ كما اشرت سابقاً ، انه يمكن للأردن ان يلعب دوراً إيجابيا في حل الخلافات بيت أرمينيا وأذربيجان من خلال العلاقات الطيبة التي تربط جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين بالقيادتين الأذربيجانية والأرمنية وكذلك قيادات الدول صاحبة التأثير في الازمة الأذربيجانية الارمينية.
**مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me