لقد قتلوا اللّيل أمام أعيننا كي لا نحلم، لا يعلمون أنَّ الأحلامَ تراودنا في النّهار أيضاً، لا يعلمون أنَّ الأرض لا تحقّق الآمال إنْ لم تُرفَعُ الآمالُ إلى السماءِ أولاً، نحن الذين نناجي اللهَ في أحلامَنا مطلع كلّ فجر، ونواجه الحياة بعزم وإصرار لنحققها، نؤمنُ بأنّ الوسادات تُرينا الأحلامَ ولكن لا تحقّقها؛ ولذلك فنحنُ نخرجُ للعالم معلنين رغبتنا في تحقيق أحلامنا كما يعلن الفلّاح رغبته في إحياء الأرض، وما يَجعَلنا واثقين من الوصول هو ارتكازنا على عتبات إيماننا بالله التّي كلّما وقَفنا عِندها، عُدْنَا معافِين مِن كلِّ ما يؤذِينا.
لا أذكرُ يوماً أنّي قد توقّفتُ عن مناجاة الله في تحقيق أمنياتي، فالحديث عن أحلامي كانَ أشبه بخشوع عابد في قيام الليل، فأحلامي آياتُ أتلوها كلّ يوم، ولطالما آمنت بأنّ ربي جل في علاه لن يخيبني، وسيستجيب لي، وأنّ أحلامي ستتحقّق، ولكن أنا من يجب أنْ يسعى ويبحثَ ويكافح من أجلها، أدركُ بأنّ الله يحقّق أحلامي في نقطةٍ ربما أكاد لا أراها، أو أنّ طموحاتي تقفُ في طريقٍ ما أتوهُ أنا عنه، لكنّها حتما موجودة وتنتظرني.
يؤلمني دائماً أن تلتقط عيوني مقالات أو كلمات أو حوارات تدور في عالم إحباط شبابنا وشاباتنا على ما يقدمونه في أي مجال من المجالات، وأتعجب كيف لهؤلاء المثبطين لا يرون الجمال والإبداع الذي يترجمه شبابنا في حياتنا اليومية، والأمر الأشد ألمًا عندما يوجه أولئك المحبطون الانتقادات المستمرة واللاذعة لشبابنا وشاباتنا، وفي ذات الوقت يسلطون الضوء على مبادرات بسيطة بل وغير إبداعية لعدد من الشباب والشابات الأجانب، نعم يشجعون الأجانب ويدعمونهم، بل ويفرحون لهم، ويتهمون شبابنا وشاباتنا بالعجز والتقصير. والسؤال الذي يلحُّ عليَّ أن ألقيه عليهم: متى ستكفون عن قتل الأحلام؟ دعوا شباننا يحلمون، يبدعون، ويعبرون عن مستقبلهم بطريقتهم، انصحوهم، وجِّهوهم، ارسموا لهم خارطة طريق، أنيروا الدروب أمامهم، فأنتم ومن دون أن تشعروا تثبطون عزيمتهم، وتطمسون إبداعاتهم.
إن كل من وجه نقدًا لاذعا لمجموعة من الكتاب الشباب الذين ترجموا أفكارهم في كتبٍ أو مقالات، أذكركم أن ما تقومون به ليس حرصاً على لغتنا العربية ورصيدنا من التميز الأدبي، وإنما وأدٌ لقدراتِ وطاقاتِ الشباب لتموت في أرحامها، فجبران خليل جبران عندما أمسك قلمه ليترجم فكره العميق لَقيَ محبة حولت ساحته الفكرية إلى ساحة مليئة بالإبداع فأذهل العالم.
دعوهم يكتبون، وتنضج معانيهم مع أحلامهم، دعوهم يتراقصون مع كلماتهم في المقالات والقصائد، وصفقوا لهم ليكبروا بين أفئدتنا ويتطوروا في أدائهم.
ولكل من يرى في المبادرات البسيطة التي يحاول الشباب من خلالها ترجمة رغبتهم في بناء المستقبل، توقفوا قليلاً عن التقليل من شأنهم، فمهما كانت بساطة تلك المبادرات دعوهم يتنفسون النجاح والفشل ليتوصلوا إلى بناء الخبرات الجيدة.
فلتتوقفوا عن توجيه النقد الدائم لأولادنا وبناتنا، ودعوهم يسرحون بحرية في عالم الأحلام، ليتحول الحلم إلى إبداع، دعوهم يغنون ويملؤون السماء بأصواتهم الجميلة، دعوهم يكتبون وينيرون عيوننا بمعانيهم البريئة، توقفوا عن لومهم، وإحباطهم، توقفوا عن بث سُمِّكُم الحلو الذي تدَّعون من خلاله محبتكم وولائكم لمبادئكم، وأنكم حريصون على مصلحتهم. شباننا وشاباتنا يحتاجون إلى قليل من المحبة لتنضج أحلامهم، فكل ما يحمله الشباب والشابات جميل، أنا أرى أمامي قلوباً صغيرة موجوعة من انتقاداتنا الدائمة، فكيف ينمو الإبداع ويعيش الحلم في قلوب تنبض بالألم؟ توقفوا قليلاً، وباركوا لهم خطواتهم، فالغد سيسألنا: أين ذلك الكاتب الصغير الذي لم يتمكن من قطع الدروب ليصل إلى هنا لأنكم كسرتم خاطره بعد أن كسرتم قلمه؟ وأين ذلك الشاعر الخيالي الذي لم يبلغ مكانه هنا لأنكم دمرتم خياله بعد أن حرقتم هويته؟
وأين ذلك الرسام الذي سرقتم ريشته مدعين حرصكم على ألوانكم من الأمجاد، وأين ذلك المبدع وأين ذلك الفنان... وأين أنتم مما فعلتموه بالغد؟ توقفوا اليوم قبل أن يكتب الغد على صفحات سمائنا، لقد كانوا هنا صغاراً يغنون، يكتبون القصص، وينثرون الشعر، يبدعون ويحلمون، ولكنكم لم تدعوهم يكبرون.
إنَّ الذين يدعمونَنا ويتمنّون نجاحنا هم إلهامنا الأول، هم السببُ الكامن في استمرارنا، وفي ديمومةِ إنجازاتنا، هم الشحن الإيجابيّ لخزينةِ عطائِنا، نحن من نصنعُ نجاحَنا ولكنّهم هم من يجعلوهُ باهراً لامعاً، فلذلك نتمسّك بمن يحترم إمكاناتِنا ولا يقلّل من شأنِنا على الإطلاق، أما أولئك الذين يسعونَ لإحباطِنا والسخرية من إنجازاتِنا، فالابتعاد عنهم خيرُ قرارٍ نتّخذه في مسيرة حياتنا، وإيّاك أن تَشتُم يومكَ لأَجلِ ضيفٍ ثقيلٍ قدْ أتَى ليغلِقْ الأبوابَ أمامك، ومن هذا المنطلق فعليكَ أنْ تبتعدَ عن كل ما يحبطكَ ويثبط عزيمتك الثمينة.