الرحلة رقم 84 في الانزال الجوي
إيمان العكور
19-04-2024 09:57 AM
كم هي مجحفة كلمات اللغة في وصف المشاعر التي اعترتني اليوم وانا انظر من نافذة طائرة سلاح الجو الملكي الاردني ونحن نحلق فوق غزة الجريحة التي لم يتوقف نزفها حتى اللحظة...
*غزة التي تأبى أن تركع للغزاة
لا أنكر لم انم كثيرا ليلة امس وانا اقلب السيناريوهات المحتملة لهذه المغامرة الإنسانية التي افتخر بالمشاركة بها ..
خاصة وانها ذكرتني بمغامرة أخرى قمت بها قبل أكثر من 25 سنة عندما رافقت الجيش الاردني في رحلة إلى أفغانستان في زمن الحرب .. كانت مليئة بالخوف والتحدي وكثير من المفاجآت..
لكن الطيران فوق غزة كان له وجع مختلف..كنت اغمض عيني احيانا وبلحظات تمر أمامي وجوه الاف الأطفال الذين تابعنا وجعهم على مدى شهور ..كنت أسمع صرخاتهم..توسلاتهم..وايضا صوت فرحهم المكتوم..
شعرت بنحيب الأمهات على فقدان اطفالهن..وقهر الآباء لعجزهم عن حماية عائلاتهم..
نعم حلقنا على ارتفاع 600 متر ..
الا ان رائحة الموت كانت منتشرة داخل السحب ..ولون الدم كان يلطخ حتى نسمات الهواء ..
طائرة نسور الاردن حملت على جناحيها الأمل والإغاثة، طارت فوق غزة التي تنبض بالحياة والصمود رغم تحديات الحرب والحصار.
أطفال غزة.. أنا هنا في السماء، أتحدث معكم..انتم الذين تعجز أقدامكم عن السير خارج هذه الأرض المحاصرة التي تحولت احلامكم فيها الى رماد ، ومع ذلك تبقون تنتظرون بصبر وإيمان عودة الفرح المسروق إلى قلوبكم..انتم الابطال..تحية
كل ما شاهدته من النافذة الصغيرة كان يصرخ للعالم..كفى
كفى قتلا لاحلامنا..كفى ابادة لارواحنا
ولكن للأسف لا عالم يسمع.. ولا لسان يتكلم
مجرد مسرحيات بإسم الإنسانية المزيفة لم تستطع حتى من إيقاف بكاء رضيع ..او تضميد نزف جريح ..
كانت هذه الرحلة رقم 85 التي يقوم بها نشامى سلاح الجو الملكي الأردني منفردا والطلعة (197 ) بمشاركة دول صديقة ولا ننسى ان الأردن هو الدولة الاولى التي بدأت عمليات الإنزال الجوي وفي ايام الحرب الأولى التي كانت الاشد خطورة والتي بعدها شارك جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الأميرة سلمى بنت عبدالله بأنفسهم في تلك العمليات ..
شعرت بالفخر وأنا اراقب المشهد من داخل الطائرة منذ لحظات الإقلاع وحتى الهبوط بعد 3 ساعات من الطيران..
طاقم رائع من نشامى سلاح الجو ..وجهد كبير ودقيق.. وخطورة لا يمكن احيانا توقعها ..جهد لا يحتمل اي خطأ ولو بسيط..
ابطال على مدى الايام الماضية والاشهر..يحملون ارواحهم على أيديهم ويودعون بيوتهم ولا يعرفون الا انهم جزء من واجب إنساني أخلاقي اكبر من الحياة ..
إليهم جميعا أوجه تحية وطن ..
وتحية فخر لوطني الأردن الذي هو دائما السند لكل ملهوف. .
فكيف الامر والموضوع هو قضية الاردن الاولى ..قضية فلسطين ..
فلتخرس الأبواق كل الأصوات التي تشكك من قريب او بعيد في موقف الأردن المشرف دوما تجاه القضية الفلسطينية.
كم أتمنى أن نعيد تلك الرحلة قريبا لنكون جزءا من عملية إعادة الفرح ..وترميم قلوب آلاف الأطفال الضحايا..
ولنحتفل بغزة محررة من القهر والظلم ..
لن يطول الانتظار، وستعود الابتسامة إلى شفاهكم، وسيعود الفرح المسروق إلى قلوبكم. ابقوا مؤمنين بالخير، ولا تفقدوا الثقة بأن الغد سيكون أفضل، لأنكم تستحقون كل السعادة والسلام في هذا العالم..