"القاتل المأجور" مهنة معروفة في عالم الأفراد والجماعات، حيث يمتهن بعضهم "الموت" مُقابل المال، في خضم عالم يعيشُ صراعاتٍ لا تنتهي، ودوافعَ خبيثةٍ تُحرّكُ نفوسِاً مريضةَ لارتكابِ أفظعِ الجرائم. ومن هذهِ الجرائمِ مهنةُ القاتلِ المأجور، حيثُ يُصبحُ الموتُ سلعةً تُباعُ وتُشترى مقابلَ المال والمنافع المختلفة.
القاتلُ المأجورُ شخصٌ محترفٌ يُنفّذُ عملياتِ الاغتيالِ مقابلَ مبلغٍ مُتفقٍ عليه، أو منافع معيّنة. وهو غالبًا ما يتمتّعُ بمهاراتٍ عاليةٍ في القتالِ واستخدامِ الأسلحةِ، ويتمتّعُ بقدرٍ كبيرٍ من السرّيةِ والقدرةِ على التخطيطِ والتنفيذِ المُحكم، إضافة إلى تمتّعه بعقلية إجرامية وانعدام الإحساس الإنساني..
تتنوعُ دوافعُ القتلِ المأجورِ وتختلفُ باختلافِ الظروفِ والأشخاصِ المُتورطين، ومنها: الثأرُ والانتقام: قد يلجأُ أشخاصٌ إلى القتلِ المأجورِ من أجلِ الثأرِ لمقتلِ أحدِ أحبائهم أو الانتقامِ من شخصٍ أساءَ إليهم. ويُعدّ المال الدافعُ الأساسيّ لمعظمِ جرائمِ القتلِ المأجور. وقد تلجأُ المنظماتُ الإجراميةُ أو العصاباتُ إلى القتلِ المأجورِ للتخلّصِ من منافسيها أو من شهودٍ مُهمّين. وقد تُستخدمُ جرائمُ القتلِ المأجورِ كأداةٍ لتصفيةِ الخصومِ السياسيين أو زعزعةِ الاستقرارِ في بلدٍ ما، وربما احتلال بلد ما أيضا والسيطرة على شعبه!
يتبعُ القاتلُ المأجورُ خطواتٍ مُحددةً لتنفيذِ عملياتهِ، منها التواصلُ مع المُوكل، ويجري بشكلٍ سريّ، بشكلٍ مباشرٍ أو من خلالِ وسيطٍ. ويجمع القاتلُ المعلوماتِ الكافيةِ عنِ الهدفِ، مثلَ مكانِ إقامتهِ وروتينهِ اليوميّ وعلاقاتهِ ثم يضعُ خطةً مُحكمةً لتنفيذِ العملية، مع مراعاةِ جميعِ التفاصيلِ المُمكنةِ لتجنّبِ الوقوعِ في قبضةِ العدالةِ، ينفّذُ القاتلُ العمليةَ وفقًا للخطةِ المُتفقِ عليها، مستخدمًا مهاراتهِ وخبرتهِ في القتلِ وغالبا بمعونة مباشرة ممن كلفه بهذه المهمة القذرة. ويُحاولُ القاتلُ التخلّصَ من جميعِ الأدلةِ التي قد تربطهُ بالجريمةِ، مثلَ سلاحِ الجريمةِ أو بصماتِ الأصابعِ.
قد تُستخدمُ جرائمُ القتلِ المأجورِ كأداةٍ لتصفيةِ الخصومِ السياسيين أو زعزعةِ الاستقرارِ في بلدٍ ما، وربما احتلال بلد ما أيضا والسيطرة على شعبه
تُخلّفُ جرائمُ القتلِ المأجورِ آثارًا سلبيةً على المجتمعِ، منها: انتشارُ الخوفِ وانعدامِ الأمن، وتُصبحُ الحياةُ مُهدّدةً في ظلّ انتشارِ مثلِ هذهِ الجرائمِ، ما يُؤدّي إلى انتشارِ الخوفِ وانعدامِ الأمنِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، ناهيك عن فقدان الثقةِ بالقانون، ما قد يُؤدّي إلى انتشارِ الفوضى والعنفِ. كما تُساهمُ جرائمُ القتلِ المأجورِ في تعزيزِ ثقافةِ الموتِ والعنفِ في المجتمعِ، ما قد يُؤثّرُ على استقراره وتنميته.
هذا كله في عالم الأفراد أو الجماعات أو قل العصابات، فكيف هو الحال حين تمتهن دولةٌ ما مهنة "القاتل المأجور"؟ ... من الناحية القانونية، لا يُسمح للدول بالعمل قتلة مأجورين. ينصّ القانون الدولي على مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويحظُر استخدام القوة العسكرية لحل النزاعات. كما يعد القتل جريمةً خطيرة في كل العالم، بغض النظر عن هوية القاتل أو الدافع وراءه. وعليه، فإنّ قتل دولة فرداً أو مجموعة من الأفراد مقابل المال أو أي منفعة عامة يُعدّ انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، وقد يُعرّض تلك الدولة لعقوبات دولية (إن لم تجد غطاء دوليا وحماية في مجلس الأمن والمؤسّسات القانونية الدولية)، بما في ذلك المحاكمة في محكمة الجنايات الدولية.
بالإضافة إلى ذلك، لدور الدولة كقاتل مأجور تداعيات أخلاقية عميقة، فالدول ملزمة بحماية مواطنيها واحترام حقوق الإنسان، بينما يُعدّ القتل انتهاكًا صارخًا لهذه الحقوق. ويُمكن أن يُؤدّي عمل الدولة قاتلاً مأجوراً إلى تقويض ثقة المواطنين في حكوماتهم، وإضعاف سيادة القانون، وإشاعة بيئة من الخوف والعنف، وهناك أمثلة عديدة على الدول التي تورّطت في عمليات قتل مأجورة. ومن ذلك دعم الولايات المتحدة فرق الموت في أميركا الوسطى في الثمانينيات، حيث دعمت حكومات ودولاً معادية للشيوعية، بما في ذلك في السلفادور وغواتيمالا، بتقديم المساعدات العسكرية والمالية. وتورّطت بعض هذه الحكومات في عمليات قتل مأجورة استهدفت المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان.
الجديد في المشهد أن الدولة/ القاتل المأجور تهشّم وجهُه، ومسحت بكرامته الأرض
وفي عام 2020، اغتيل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أميركية في العراق. اتهمت إيران الولايات المتحدة بالعمل كقاتل مأجور لإسرائيل، وهدّدت بالانتقام، وقد فعلت بعد نحو أربعة أعوام، حينما شنت إيران هجمتها الفريدة بطائرات مسيّرة وصواريخ باليستية على إسرائيل، ومن المفارقات هنا اتهام إيران الولايات المتحدة بأنها "قاتل مأجور" في وقت توظف فيه الأخيرة ودول غربية في فلكها إسرائيل للقيام بمهمّة القاتل المأجور. ويمكن إسقاط هذا المفهوم على مجمل الجرائم التي ارتكبها الكيان سواء في فلسطين أو في بقية دول المواجهة أو ما كانت تسمّى دول الطوق، حيث يؤدّي الكيان، نيابة عن أميركا والغرب وبتمويلهما، مهمّة "حماية مصالح الغرب"، وهو تعبير يستوعب طيفا هائلا من العناوين، ابتداء من تكريس الفرقة بين أبناء العروبة، ومنع إقامة وحدة عربية عبر إنهاك أقطار العرب وجمهورهم بصراعات بينية وإشعال نعرات بغيضة، وانتهاء بسحق أي قدرات عسكرية معتبرة قد تهدّد تلك المصالح (ضرب المفاعل النووي العراقي، شنّ حرب اغتيالات ممتدة ضد رموز المقاومة والعلماء العرب النابهين). ويتضمن هذا بالطبع قتل روح المقاومة وشطب آيات الجهاد من المناهج. والأهم من هذا كله، وفي مقدّمته إخضاع أبناء الشعب الفلسطيني وتفكيك مقاومته، حركة حماس أو غيرها، المهم أن لا تكون هناك مقاومة أصلا (باعتبار هذا الشعب صاحب الأرض التي يقوم عليها مشروع الدولة/ القاتل المأجور).
وفي الأثناء، يوفّر من يوظف هذا القاتل كل ما يلزمه من حماية دولية (فيتو دائم في مجلس الأمن) وتمويل بأدوات القتال والفتك.
الجديد في المشهد أن الدولة/ القاتل المأجور تهشّم وجهُه، ومسحت بكرامته الأرض، وبدا، بعد أكثر من تمويل استغرق نحو مائة عام، كأنه يسير إلى هاوية سحيقة (وفق تعبير الجنرال المتقاعد إسحق بريك: تُشبَه إسرائيل الآن سفينة تائهة وسط البحر في أثناء عاصفة شديدة قد تُغرقها في القاع). أو ربما ينتحر عبر خوض معركة امتدّت نحو مائتي يوم، مع من حاول سحقهم وقتلهم وإخضاعهم، وهم في الأصل المكلف بشطبهم من الحضور على سطح الأرض، وما يجري في غزّة اليوم هو التعبير الأكثر خشونة عن الدور الذي تقوم به إسرائيل قاتلاً مأجوراً. في محاولة لإطفاء جذوة المقاومة، ويبدو أن فشل القاتل الصارخ في هذه المهمّة هي بداية إنهاء هذا الدور، وتسريحه من وظيفته ممّن يموّله ويدفع له لقاء مهامّه الإجرامية.
العربي الجديد