الحوار اصطلاح متداول بكثافـة هذه الأيام في العالم العربي، وهناك مبالغة كبيرة في أهميته فيما يتعلق بالقضايا السياسية والعقائديـة. وتأتي الدعوة للحـوار عادة من الطرف المستعد لتقديـم تنازلات وملاقاة الطرف الآخر في منتصف الطريق. يعرف كل من طرفي الحوار تماماً موقف الطرف الآخر، وليس بحاجة لأن يسـمعه مجدداً ويرد عليه بموقف معروف مسبقاً إلا إذا كان يتحلى بالمرونة. ومن هنا فإن معظـم الحوارات في السياسة والعقائد ينطبـق عليها وصف حوار الطرشـان.
قد يؤدي الحـوار إلى شق صف أحد الجانبين، إذ ينقسـم بين الاعتدال والتطرف، ويصبح الحوار لازماً بين جناحي الطرف الواحد، والنتيجة هزيمة وفشل الجناحين.
يظـن البعض أن الدعـوة للحوار يمكن أن تكون دليلاً على الضعف أو تمهيـداً للاستسلام مع حفـظ ماء الوجه، بحيث يبدو خضوع أحد الجانبين لشروط الجانب الآخر نوعاً من التفاهم أو الالتقاء في منتصف الطريق أو الحل الوسط، ومن هنا يتشـدد هؤلاء ويرفعون منسـوب المطالب.
الحوار الحقيقي يكون بين أطراف متكافئـة، ولذا فإن الحوار العربي الأوروبي مثلاً لم يحقق شـيئاً لأن الطرف الأوروبي يسمي املاءاته حواراً.
والحـوار الفلسطيني الإسرائيلي فشـل لأن هدف إسرائيل إضاعة الوقت، والظهور بمظهر من يريد السلام، في حين أن ما تريده هو المزيد من الوقت لخلق حقائق على الأرض كما في حالة الاسـتمرار في بناء المستوطنات، الذي يعني أن هناك قراراً مسـبقاً بإفشال الحوار، وإلا ما معنى الاستيطان الإسرائيلي على أراض سوف تؤول إلى الجانب الفلسطيني إذا نجـح الحوار وقامت الدولة الفلسطينية.
لا أدري ما هي حاجـة حكومة اليمن مثلاً إلى الحـوار مع الثوار، فهل تجهل ما يريده المحتجـون وأقله انفصال جنوب اليمن.
الحوار في الأسـاس عملية فكرية، يمارسها متخصصون للوصول إلى الحقيقة الموضوعية، وليس لتأكيد أخطاء الطرف الآخر.
الحوار شعار حضاري جميل يصعب رفضه لأن البديل أسوأ منه، ولكنه قد لا يقدم حلاً، وربما يؤدي فشـله إلى استقطاب لا تحمد عقبـاه.
الراي,