المراقب أو المُتتبع لمدخلات التعليم في الأردن، من طلبة ومعلمين ومدارس وإنفاق، وكذلك مخرجاته، ينتابه الخوف والهلع من أن ينطبق المثل الشعبي القائل: «مسبحة وفرطت»، على التعليم بشكل عام، والأساسي والثانوي بشكل خاص.
نتائج الطلبة الأردنيين باختبار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA) للعام 2022، والذي يهدف إلى تقييم مستوى التطبيق المعرفي والمهارات الأساسية للطلبة في سن 15 عامًا، في مجالات الرياضيات، والعلوم، والقراءة، أظهرت تراجعًا ملموسًا بمخرجات قطاع التعليم في الأردن وجودتها، حيث احتل المركز الخامس وقبل الأخير من أصل ست دول عربية شاركت في هذا الاختبار.
وهذا أول «الغيث!»، فقد تراجع أداء الأردن عالميًا أيضًا، ليحل في المرتبة 75 من أصل 81 دولة مشاركة.. وهذا مؤشر شديد الخطورة، خصوصًا إذا ما علمنا بأنه تراجع 11 مرتبة، مقارنة مع اختبار (PISA) للعام 2018، فضلًا عن أنه سجل ثاني أعلى تراجع بعد ألبانيا بين جميع الدول المشاركة في مجال الرياضيات.
ذلك مؤشر قوي على وجود مشكلة بالقراءة، والرياضيات، والعلوم.. الغريب العجيب في الموضوع أن المسؤولين في الحكومة بشكل عام، ووزارة التربية والتعليم بشكل خاص، لا يأبهون ولا يهتمون لما آلت إليه الأوضاع في قطاع التعليم، ولا يقومون بواجباتهم على أكمل وجه، خاصة أننا أمام مشكلة، قد تأتي على ما تم البناء عليه منذ عقود طويلة، وتخلعه من جذوره، وكأننا لم نكن يومًا سباقين في التفوق بهذا القطاع.
المشكلة ليست بالمسؤولين الحاليين، وإن كانت تقع عليهم مسؤولية عظيمة، ولا نعفيهم من التقصير، بل تشمل أولئك السابقين، فعلى سبيل المثال، اكتفى وزير التربية والتعليم الأسبق، محمد الذنيبات، وهو أستاذ بالتنمية ويُعتبر المنظر الأول فيها، بالقول بوجود مائة ألف من طلبة الصفوف الدراسية الثلاثة الأولى، لا يستطيعون القراءة أو الكتابة.. ليتبعه وزير التربية والتعليم الحالي، عزمي محافظة، المُتخصص في علم الأحياء الدقيقة والمناعة، بالتصريح وعلنًا بأن هناك «طلبة في الصف العاشر لا يعرفون القراءة والكتابة».
وكأن مسؤولية الوزير، وهو يتربع على كرسي الوزارة، تنحصر فقط في التأشير على وجود مشكلة، أما حلها أو وضع خطة للقضاء عليها أو التخفيف من آثارها السلبية، فتلك مسؤولية لا أحد يعرف على من تقع في هذا البلد، الذي أكدت اختبارات (PISA) للعام 2022، أن أركان المنظومة التعليمية فيه تُعاني من خلل واضح.
على المعنيين والمختصين في الدولة، بكل أجهزتها المُختلفة، أن يصحوا من سبات عميق يُسيطر عليهم، فنحن أمام مُعضلة جسيمة، الخاسر الأول الوطن، فعندما يتم تخريج نسبة كبيرة من الطلبة، لا يقرأون ولا يكتبون، ولا يتقنون أو حتى يمارسون التفكير التحليلي والإبداعي، فذلك دليل بيّن على ضعف مهارات الطلبة الأردنيين.. وعندما نخسر الطلبة، فحتمًا سنخسر الأُسر، ومن بعدها الوطن.
هناك إشارات أو رسائل في هذه الحياة، تأتي إلينا بشتى الطرق، فقد تكون إما دراسات صادرة عن مراكز أبحاث يُشار لها بالبنان، أو اختبارات دولية الجميع يحترمها، أو تصريحات من مسؤولين يُعتبرون نوابغ في تخصصاتهم وتنظيراتهم ومناهجهم.. تلك الإشارات أو الرسائل يجب التقاطها بعين الخائف والمُحب، في الوقت نفسه، على الطالب والأسرة والوطن.
نتائج ذلك الاختبار، تؤكد ضرورة العمل على تعزيز المهارات الحديثة العالمية لدى الطلبة، لا أن نمر عليها مرور الكرام، ونضع رؤسنا في الرمال، وكأن الأمر لا يعنينا من قرب أو بعيد.
الغد