ايران بين الرد العسكري والعقوبات
كمال زكارنة
17-04-2024 11:08 AM
يبدو ان المفاضلة الامريكية الاسرائيلية بشأن الرد على الهجوم الايراني على اسرائيل،مالت الى تبني خيار الرد العقوباتي على حساب الرد العسكري ،وهذا يعتبر تغيرا جذريا في العقيدة العسكرية الاسرائيلية ،التي اتبعت طيلة العقود الماضية ظاهرة الغرور العسكري،وامتلاك الردع المطلق في المنطقة،والرد العسكري المدمر على اي هجوم تتعرض له ،داخل فلسطين المحتلة بشكل خاص،لكن هذا الغرور تحطم وتصدع في السابع من اكتوبر الماضي،وتكسرت معه كل نظريات الردع والرعب والسيطرة العسكرية الاسرائيلية، الامر الذي منح ايران فرصة قوية لضرب الكيان الغاصب.
الجنوح الامريكي الاسرائيلي نحو فرض عقوبات عسكرية واقتصادية على ايران،تشمل صناعات الصواريخ والمسيرات ووزارة الدفاع والمؤسسات العسكرية وفروعها ،وعلى اشخاص مهمين عسكريا ،ومؤسسات الانتاج والتصنيع العسكري الايرانية ،ترى فيها امريكا واسرائيل وحلفائهما ،بأنها "العقوبات" تحقق اهداف الرد العسكري واكثر دون تكلفة،ونتائجها تكون طويلة المدى، بحيث تحرم ايران من تطوير وتحديث وتعاظم قوتها الصاروخية والجوية بالطائرات المسيرة،وان فرض العقوبات يحقق اهدافا اخرى مهمة، ويجعل ايران في عين العاصفة بشكل دائم،ويمكن الحلف الاسرائيلي الامريكي واتباعهما من العبث في الشأن الداخلي الايراني وتثوير الرأي العام والشعب الايراني من الداخل ضد النظام ،وخلق الفوضى الخلاقة واضعاف ايران وتآكل قوتها العسكرية والاقتصادية داخليا،وبناء حلف دفاعي اقليمي ضد ايران ،وهي فكرة قديمة جديدة سيتم اعادة احيائها حاليا،وفرض حصار مشدد على ايران ،وهذا السيناريو يشبه الى حد كبير السيناريو الذي تم فرضه على العراق عدة سنوات ،وكانت النهاية وخيمة وتدميرية.
اقنعت الادارة الامريكية حكومة الاحتلال، بأن العقوبات على الصناعات العسكرية الايرانية ،الى جانب العقوبات الاقتصادية ،تعطي نتائج افضل بكثير من ضربة عسكرية تنتهي خلال دقائق او ساعات ،ويعاد بناء ما تم تدميره،كما جاءت فكرة العقوبات لتنقذ اسرائيل من ورطة مكلفة اذا دخلت في مواجهة عسكرية مع ايران،وفتح جبهة ثالثة عليها الى جانب جبهتي شمال فلسطين وجنوبها،وتمنح اسرائيل فرصة للتركيز على اجتياح رفح الفلسطينية وتكثيف الهجوم الاسرائيلي على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ،اضافة الى ان معاقبة ايران بفرض العقوبات ،سوف تتكفل بها امريكا وحلفائها ،بينما اسرائيل تتفرغ لاستمرار عدوانها وحرب الابادة الجماعية التي تشنها على قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان.
استطاعت ايران ان تنجو بنفسها وبمشروعها العسكري وبرنامجها النووي ،خلال العقود الثلاثة الماضية ،وهي تقود سياسة ذكية، وتناور وتراوغ وتفاوض وتسوف ،وتعاملت مع الضغوطات والعقوبات والاستفزازات الامريكية والغربية ،بحكمة بالغة ونأت برقبتها من تحت السكين ،ومشت على حد السيف ونجت، لكنها هذه المرة وقعت في الشراك ،وسوف تعاني كثيرا في السنوات القادمة،مع انها كان بامكانها الرد على قصف القنصلية في دمشق،بعملية محدودة ومركزة مؤلمة ومؤثرة اكثر،لتفادي الوقوع في فم الوحش الامريكي وحلفائه ،رغم ايجابيات ومخرجات الهجوم العسكري المفيدة معنويا وتقنيا وفنيا وتقييميا ،من النواحي العسكرية الاستراتيجية.
نحن مع كل من يضرب الاحتلال الاسرائيلي ،ويوجعه ويؤلمه ويكسر قوة ردعه وهيبته العسكرية ،ويضع حدا لغطرسته وبلطجته في المنطقة ،وخاصة في الاراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان وسوريا.
ان عدم الرد العسكري الاسرائيلي على الهجوم الايراني ،لا يعني توقف رد الفعل الاسرائيلي عند هذا الحد،لكن قد تكون المواجهة الحقيقية الواسعة بين ايران واسرائيل في الجنوب اللبناني والاراضي السورية والمياه الاقليمية والدولية ،وفي المجالات الاستخباراتية والامنية والمخابراتية والاغتيالات المتبادلة وغيرها.