ربما كان ما تتمناه أو ربما تتوقعه حماس أن يكون رد إيران على إسرائيل قويا مؤثرا، بحيث يصنع ضغطا على نتنياهو وجيش الاحتلال ويجعل فرصة الوصول إلى إنهاء العدوان على غزة أكبر وأفضل، لكن ماجرى في "ليلة القبض على إسرائيل" كان مخيبا لأمال أقرب الناس إلى إيران، إضافة إلى فرح خصوم إيران بأن وجهة نظرهم بأن إيران تستعمل القضية الفلسطينية لمصلحة مشروعها الفارسي وليست معنية بالقضية بشكل إستراتيجي.
ولعل حلفاء إيران في غزة كانوا يتمنون أو يتوقعون ردا إيرانيا يخلط أوراق العدوان على غزة ويربك نتنياهو ويؤذيه سياسيا، وربما توقعوا أن إيران التي أنفقت كميات تجارية من التهديدات، ستصنع ميزان قوى جديدا في غزة ميدانيا بردها العسكري، لكن ما فعلته إيران أنها خذلت من توقعوا منها غير ما هي عليه، فإيران تعمل على تحويل كل من معها إلى أوراق في مشروعها الفارسي، لا أن تكون هي وأوراقها في خدمة القضية الفلسطينية.
ما فعلته إيران جعل غزة بعد الرد الإيراني في وضع أكثر إيجابية لنتنياهو وجيش الاحتلال، فإسرائيل تجيد لعب دور الضحية كما فعلت بعد السابع من أكتوبر، وهي اليوم ترمم التحالف الأميركي الغربي الذي وقف معها ثم اهتزت بعض معالمه خلال العدوان، وهي اليوم في وضع يجعلها تتحرر من الضغوطات التي كانت عليها من دول عديدة وحتى من واشنطن بسبب الوضع الإنساني في غزة.
نتنياهو لم يكن يريد صفقة تبادل ولاهدنة إنسانية لكنه كان مضطرا للتفاوض لمقاومة ضغوط واشنطن وأهالي الأسرى، وحماس كانت تسعى للانتقال إلى صفقة لإنهاء الحرب لهذا كانت تشترط انسحابا إسرائيليا كاملا من غزة ووقفا كاملا للعدوان، ولهذا لم يكن ممكنا الوصول إلى اتفاق؛ لأن نتنياهو الذي يستعد لاجتياح رفح كان مستعدا لعدم الامتثال لشروط واشنطن حول المدنيين، لكنه اليوم وبسبب استغلاله لما جرى سيكون أكثر قدرة على تجاوز أي ضغوطات.
مؤكد أن شكل عمليات الاحتلال العسكرية تغير خلال المراحل الأخيرة إلى عمليات نوعية دون الحاجة إلى دخول أعداد كبيرة، وهناك محاولات لزيادة عمليات الاغتيالات للصفوف الأولى والثانية وحتى الثالثة في حماس، لكن الاحتلال سيذهب نحو استكمال مشروعه السياسي والعسكري في غزة خلال المراحل القادمة.
حماس التي حاولت تحويل مفاوضات الهدنة الإنسانية إلى تفاوض لإنهاء العدوان ربما تكون أكثر المتضررين من الرد الإيراني الشكلي والمتفق على تفاصيله مع أميركا، وربما كانت تتمنى ان يكون الرد سلاحا بيدها في سعيها لوقف الحرب وليس عكس ذلك.
ومهما كانت التفاصيل فإن التفكير بمرحلة التفاوض على إنهاء الحرب يجب أن يبدأ، فمهما كان شكل العمليات العسكرية في رفح فإن ما بعد رفح صفقة كبرى لإنهاء العدوان وفق معطيات الميدان والواقع السياسي الإقليمي، ولعل إيران المحترفة في الصفقات والتفاهمات ثم تبريرها هي الأقدر على صياغة صفقة إنهاء العدوان، وهي الأقرب إلى فصائل غزة.
الغد