على مدى ساعات خمس، غرقت في متعة قراءة كتاب الملك الذي ضللني عنوانه، فقد ظننتُ للوهلة الأولى أنني سأقرأ بحثاً تاريخياً في الصراع العربي الإسرائيلي؛ وإذا بي أمام قصّة حياة رجل إختاره القدر ليكون ملكاً في منطقة تتلاعب فيها نيران الحروب بمصائر البشر.
« سوف تبقى دائماً غارقاً في المتاعب، والشيء الوحيد الذي قد يتغيّر معك هو حجمها»، هذا ما قاله رقيب أشبه ما يكون بالفيلسوف للأمير عبدالله ذي الثمانية عشر عاماً، خلال مناورة عسكرية تدريبية في ساندهيرست، وهو ما يُلخّص حياة أيّ من جيلنا، ذلك الذي ولد ما بين النكبة والنكسة، ولكنّه بالتأكيد يختصر مسيرة حياة ملك بلدٍ ضنّت عليه الطبيعة بالموارد، وتكارمت عليه بمشاكل الجيران، ولكنّه بلد ساحر الجمال في مطلق الأحوال.
لا تنقص الكتاب الصراحة التي قد تُغضب هذا أو ذاك، ممّن وصفهم الملك بأولئك الذين يودّون أن تبقى أعمالهم وتصرفاتهم طيّ الكتمان، وفيه الكثير من البوح العفوي الذي يعطي للقراءة حميمية تفتقدها كتابات السياسيين الجامدة، ولعلّ قصّة الحبّ التي جمعت الأمير بمن أصبحت زوجته، وصارا ملكاً وملكةً، تُلخّص هذا البوح وتلك الحميمية.
حياة عبدالله الثاني ابن الحسين موجودة في كتابه، والغالبية الغالبة من الأحداث لا يعرفها الأردنيون، فَمَن منّا كان يتصوّر أنّ شخصاً عرض عليه رشوة للسكوت عن عمليات تهريب، وَمَن منّا كان يعرف تفاصيل الأيام الأخيرة لحياة الحسين الراحل، والكثير الكثير ممّا يستأهل القراءة، فهنا عبدالله الثاني كما هو: مواطن أردني طيّب، وملك على كلّ الأردنيين.
الدستور.