التنقيب عن الذهب في عقول البشر
صالح سليم الحموري
13-04-2024 02:00 PM
كيف يُمكن للتعليم والابتكار أن يُشكل ثروات الأمم؟ في عالم يتسارع بلا هوادة نحو الابتكار والتكنولوجيا، يُصبح التنقيب عن الموارد الطبيعية أقل أهمية مقارنةً بالتنقيب عن الذهب والالماس المخفي في عقول البشر. كيف يُمكن للتعليم والابتكار أن يُشكلا ثروات الأمم؟ دعونا نستكشف هذه الفكرة بالتفصيل، مستعينين بمثال "تايوان" كنموذج رئيسي.
"تايوان"، الدولة التي لا تمتلك موارد طبيعية تُذكر، ولكنها استثمرت في "العنصر البشري" بشكل مكثف. من خلال التركيز على "التعليم وتطوير تنمية المواهب" لدى المعلمين ومنحهم أفضل "الرواتب والقيمة المجتمعية"، استطاعت "تايوان" أن تمتلك اقتصادًا قويًا ومُستقرًا. "ميلتون فريدمان"، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، يُشير إلى أهمية التعليم والابتكار كموارد غير محدودة قائلاً إنهما مفتاح التقدم والازدهار في القرن الواحد والعشرين.
فضلاً عن "تايوان"، تُعتبر "سنغافورة" نموذجًا ملهمًا آخر، حيث أنشأت "مراكز التميز التعليمي" وجعلت من التعليم المحرك الأساسي لتقدمها. وبالمثل، تعتمد "النرويج" على سياسات تعليمية مبتكرة تركز على تطوير المهارات الإبداعية والتفكير النقدي لدى الطلاب، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول استقرارًا اقتصاديًا وابتكارًا.
"الدماغ البشري" هو "مركز الابتكار والإبداع". بفضل قدرته الفريدة على التفكير التحليلي والتجريدي، يمكن للبشر أن يبتكروا حلولًا مبتكرة لأصعب التحديات. الاستثمار في تعليم وتدريب الأفراد يمكن أن يؤدي إلى تطوير قدراتهم على حل المشكلات، ويُعزز من قدرات الدولة على التكيف مع التغيرات واستغلال الفرص. فمثلاً، في دول مثل "فنلندا" و"كوريا الجنوبية"، حيث يُعطى الاستثمار في التعليم الأولوية، نرى ابتكارات تقود الصناعات العالمية وتُسهم في نمو الاقتصاد الوطني بشكل ملحوظ.
في عصر يُهيمن عليه "الذكاء الاصطناعي"، حيث تُستبدل الكثير من الوظائف التقليدية بأتمتة وأنظمة ذكية، يصبح "الإبداع والابتكار" أكثر أهمية من أي وقت مضى. القدرة على "التفكير خارج الصندوق" لا بل إيجاد "صناديق جديدة" وتطوير حلول جديدة للتحديات المعاصرة هي ما يُميز البشر عن الآلات. الاستثمار في رفع قدرات الأفراد وتشجيعهم على الابتكار يُعتبر ضروريًا لضمان بقاء الدول ذات الكفاءة التنافسية العالية في الاقتصاد العالمي.
"ميلتون فريدمان" يُرشدنا بقوله إن "التعليم والابتكار" هما الثروة الحقيقية للأمم في القرن الحادي والعشرين. وفي هذا الإطار، يتوجب على "حكومات المستقبل" ليس فقط تقدير هذه القيمة، بل والاستثمار فيها بشكل يُحدث تأثيرًا طويل الأمد. فالدول التي تجعل من "التعليم والابتكار" أولوياتها ليست فقط تُعدّ نفسها لتكون قادة العالم، بل تضمن أيضًا إرثًا من الازدهار والثراء يُمكن أن يستمر لأجيال.
* خبير التدريب والتطوير - كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية