كل يوم بل كل لحظة نتعلم في مدرسة غزة ، انها تعلمنا في زمن انحطاط التعليم وتراجع القيم عند كثيرين ، تعلمنا بالفعل لا بالقول ، تعلمنا المبادئ بالممارسة ، تعلمنا ما نفقده في واقعنا . انها مدرسة الصمود في زمن الهزيمة والخور والضعف . مدرسة تجابه الصهاينة أعداء الله وأعداء أنبيائه وأوليائه وأعداء البشرية . انها تجابه محتقري البشر والحجر والشجر . إنها مدرسة تحاكم المتخاذلين الخائفين الخاضعين من ساكني الذل ومن سكنهم الذل .
إنها مدرسة الحرية التي لا تتغزل بالحرية ولا تتمناها بل تمارسها وهي مدرسة تقول إن الحرية لا يمكن أن ينالها الناس بالأماني بل بالتضحيات والدماء . إنها مدرسة لا تتحدث عن الدين بل تمارسه في أحلك الظروف حتى رأينا من يكرر قول الخنساء وهي تحمل شهداءها قائلة : الحمد لله الذي شرفتي بهم .
فوجدنا نماذج جديدة تكرر الانتصار النفسي فيقف وائل الدحدوح أمام أولاده وعائلته مضرجين بدماء الشهادة قائلا" : معلش ، ويقف اسماعيل هنية وقد وصلة خبر استشهاد أبنائه الثلاثة وأحفاده ويقول : الله يسهل عليهم ودمهم ليس أغلى من دم ثلاث وثلاثين ألف فلسطيني غزي ارتقوا إلى العلا ليكونوا في حواصل طير خضر تسرح في الجنة . إنها المدرسة التي ترد على الإعلام الصهيوني وإعلام المنافقين الذين يحاربوننا بالكذب وفينا من يصدق !! قالوا : إن قادة حماس في فنادق سبع نجوم ، وأشهد أنني رأيتهم يسكنون بيوتا" عادية ، وقالوا انهم مشغولون بالزواج فلما تبين كذب الآلة الصهيونية سكت المرددون لها في حياء مطبق مخجل . مدرسة غزة مدرسة تدوير الممتلكات والصبر على البلاءات . مدرسة جعلت جرذان الفسق والفجور والفواحش يدخلون مساكن الذل فلا سوق لهم إلا عند الذين غيروا جلدهم وما عادوا يشعرون . مدرسة غزة صامدة تقاتل من تحت الركام وتفاوض من فوق الأنقاض في إصرار لم يعهده الصهاينة الذين رأوا مفاوضات العربان من كامب ديفيد إلى مدريد إلى أوسلو إلى وادي عربة فوجودهم لقمة سائغة بينما غزة رغم الجراح والأشلاء تقول لا وألف لا إلا بالثمن الذي تحدده هي وليس ما يطرحه العدو من فتات . مدرسة غزة حركت العالم كله ، حركت الشعوب وحركت السياسيين وحركت المسؤولين وأعطت القضية الرقم واحد على مستوى العالم ، شغلت المحاكم الدولية وبينت انتصار وغيرة دول غير عربية ولا إسلامية بينما نحن جثة هامدة لم يحركها القصف ولا البارجات ولا الدبابات لأنها مخدرون . مدرسة غزة وسعت خلافات الحلفاء الغربيين وأظهرت صراعات الصهاينة .
نعم تعلمنا من غزة وسنتعلم ويكفي غزة انها لا تشمت بنا العدو بل تتعامل بندية وتوقع فيهم الخسائر البشرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية ومعركتها مستمرة وتعليمها مستمر فهي اليوم مدرسة عالمية لتعلم من أراد التعلم .